للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفهام، وما أقول إلّا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية، ورقي في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية.

وأما أبو الطيب المتنبي فأراد أن يسلك مسلك أبي تمّام فقصرت عنه خطاه، ولم يعطه الشعر [من قياده] ما أعطاه، لكنه حظي في شعره بالحكم والأمثال، واختصّ بالإبداع في وصف مواقف القتال.

قال [١] : وأنا أقول قولا لست فيه متأثّما، ولا منه متلثّما [٢] ، وذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها، حتّى تظن الفريقين فيه تقابلا، والسلاحين فيه تواصلا، وطريقه في ذلك يضل بسالكه، ويقوم بعذر تاركه، ولا شك أنه كان يشهد الحروب مع سيف الدولة ابن حمدان، فيصف لسانه، وما أدّى إليه عيانه. ومع هذا فإني رأيت النّاس عادلين فيه عن سنن التوسط، فإما مفرط فيه وإما مفرّط، وهو وإن انفرد في طريق وصار أبا عذره، فإن سعادة الرجل كانت أكبر من شعره، وعلى الحقيقة فإنه كان خاتم الشعراء، ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفوق الإطراء، ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها سيف الدولة:

لا تطلبنّ كريما بعد رؤيته ... إنّ الكرام بأسخاهم يدا ختموا

ولا تبال بشعر بعد شاعره ... قد أفسد القول حتّى أحمد الصّم

انتهى ما قاله ابن الأثير.

وقال ابن الأهدل: ألّف أبو تمّام كتاب «الحماسة» وكتاب «فحول الشعراء» جمع فيه بين الجاهليين، والمخضرمين، والإسلاميين، وكتاب


[١] القائل ابن الأثير في «المثل السائر» .
[٢] في الأصل، والمطبوع: «متثلما» والتصحيح من «المثل السائر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>