للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الاختيارات من شعر الشعراء» وكان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة غير القصائد والمقاطيع. وجاب البلاد، ومدح الخلفاء وغيرهم، وكان قصد البصرة في جماعة من أتباعه وبها شاعرها عبد الصّمد بن المعذّل [١] فخاف عبد الصمد أن يميل النّاس إليه فكتب إليه قبل قدومه:

أنت بين اثنتين تبرز للنّا ... س وكلتاهما بوجه مذال

أيّ ماء يبقى بوجهك هذا [٢] ... بين ذلّ الهوى وذلّ السؤال [٣]

فلما وقف عليه رجع، وكتب على ظهر ورقته:

أفيّ تنظم قول الزّور والفند ... وأنت أنقض [٤] من لا شيء في العدد

أسرجت قلبك من غيظ على حنق [٥] ... كأنّها حركات الرّوح في الجسد

أقدمت ويحك من هجوي على خطر ... كالعير يقدم من خوف على الأسد

قيل: إن العير إذا شمّ رائحة الأسد وثب عليه فزعا.

ومدح أبو تمّام الخليفة بحضرة أبي يوسف الفيلسوف الكنديّ [٦] فقال:


[١] في الأصل، والمطبوع: «ابن المعدل» بالدال وهو تصحيف، والتصحيح من «فوات الوفيات» لابن شاكر (٢/ ٣٣٠) ، و «الأعلام» للزركلي (٣/ ١١) .
[٢] في «الأغاني» : «أي ماء لحرّ وجهك يبقى» .
[٣] البيتان في «الأغاني» (١٣/ ٢٥٣) وبينهما بيت آخر هو:
لست تنفكّ طالبا لوصل ... من حبيب أو طالبا لنوال
[٤] في «الأغاني» : «وأنت أبرز» .
[٥] في «الأغاني» : «أشرجت قلبك من بغضي على حرق» .
[٦] هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكنديّ، أبو يوسف، فيلسوف العرب والإسلام في عصره، وأحد أبناء الملوك من كندة. نشأ في البصرة، وانتقل إلى بغداد، فتعلم واشتهر بالطب والفلسفة والموسيقا، والهندسة والفلك، وألف وترجم وشرح كتبا كثيرة يزيد عددها عن ثلاثمائة، ولقي في حياته ما يلقاه أمثاله من فلاسفة الأمم، فوشي به إلى المتوكل العباسي، فضرب وأخذت كتبه، ثم ردّت إليه. وأصاب عند المأمون والمعتصم منزلة عظيمة وإكراما.
قال ابن جلجل: ولم يكن في الإسلام غيره احتذى حذو أرسطاطاليس. من كتبه «اختيارات

<<  <  ج: ص:  >  >>