قال علي بن الجهم: فبينا أنا عنده جالس يوما إذ قال لي: يا علي، رأيت البارحة كأنني صالحت محبوبة، فقلت: أقر الله عينك وجعله حقيقة في اليقظة، وإنا لفي ذلك، إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه، فقالت: يا أمير المؤمنين، سمعت الساعة في منزل محبوبة غناء، فقال لي: يا علي، قم بنا الساعة، فإنا سنرد على بوادر ظريفة، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويدا لئلا يسمع حسنا، فوقف على باب المقصورة، وإذا بها تضرب بالعود وتغني:
أدور في القصر لا أرى أحدا ... أشكو إليه ولا يكلّمني
حتّى كأنّي جنيت معصية ... ليست لها توبة تخلّصني
فهل شفيع لنا إلى ملك ... قد زارني في الكرى وصالحني
حتّى إذا ما الصباح لاح لنا ... عاد إلى هجره فصارمني [١]
فنفر المتوكل طربا ونفرت معه لنفيره، فأحست بنا، فخرجت حافية ثم أكبت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه، ثم قالت: يا أمير المؤمنين، رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك. قال لها: وأنا والله رأيت مثل ذلك. قالت:
فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال، فقال: ادخل فإنا سنرد على ما نحب. قال: فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة، ووصلني بعد ذلك ببدرة، فأخذتها وانصرفت.
قيل: قرئ على المتوكل كتاب فيه ملاحم، فمر القارئ فيه على موضع فيه: إن الإمام العاشر من بني العبّاس يقتل في مجلسه على فراشه، فقال: ليت شعري من الشقي الذي يقتله، ثم وجم، فقيل له: أنت الحادي عشر، وعدوا إبراهيم بن المهدي من جملة الخلفاء فسرّي عنه.
وقيل: رأى المتوكل في منامه كأن دابّة تكلّمه، فقال لبعض جلسائه:
ما تفسره، ففسره له بشيء آخر، ثم قال لبعض من حضر سرا: حان رحيله لقوله
[١] الأبيات في «مروج الذهب» للمسعودي (٤/ ١٢٦) مع شيء من الخلاف في روايتها.