للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأني في أرض خشناء [١] ، ذات حجارة، وأنا أطلب زوجي، فناداني رجل:

أيّتها الحرّة، خذي ذات اليمين، فأخذت ذات اليمين، فرفعت إلى أرض [سهلة] طيبة الثرى، ظاهرة العشب، وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها، أو لم أر مثلها، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض، ليس لها حافات، فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا، حلقا [٢] عليهم ثياب خضر، وقد علاهم النور، فإذا هم الذين قتلوا في المعركة، يأكلون على موائد بين أيديهم، فجعلت أتخلّلهم وأتصفّح وجوههم، أبغي زوجي، فناداني: يا رحمة، يا رحمة، فيممت الصوت، فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء، ووجهه مثل القمر ليلة البدر، وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه، فقال لأصحابه: إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم، أفتأذنون [لي] أن أناولها شيئا تأكله؟ فأذنوا له، فناولني كسرة خبز، أشدّ بياضا من الثلج واللبن، وأحلى من العسل والسكر، وألين من الزبد والسمن، فأكلتها، فلما استقرت في جوفي، قال: اذهبي، كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما حييت في الدّنيا.

فانتبهت من نومي شبعاء ريّاء، لا أحتاج إلى طعام ولا شراب، وما ذقتهما من ذلك اليوم إلى يومي هذا، ولا شيئا تأكله الناس.

قلت: فهل تتغذّي بشيء، أو تشربي شيئا غير الماء؟ فقالت: لا.

فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من النّاس؟ فقالت: لا. قلت:

والحيض؟ وأظنها قالت: انقطع بانقطاع الطّعم. قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال [٣] ؟ قالت: أما تستحي منّي، تسألني عن مثل هذا. قلت:

أي لعلّي أحدّث الناس عنك، ولا بدّ أن أستقصي، قالت: لا أحتاج. قلت:

أفتنامين؟ قالت: نعم أطيب نوم. قلت: فما ترين في منامك؟ قالت: مثل


[١] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «حسناء» .
[٢] لفظة «حلقا» الثانية لم ترد في المطبوع.
[٣] في المطبوع: «حاجة الرجال إلى النساء» ، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>