للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«اتّقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» [١] فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه وقال له: أسلم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام.

ولما صنّف عبد الله بن سعيد بن كلاب كتابه الذي ردّ فيه على جميع المذاهب، سأل عن شيخ الصوفية، فقيل له: الجنيد، فسأله عن حقيقة مذهبه، فقال: مذهبنا إفراد القدم عن الحدث، وهجران الإخوان والأوطان، ونسيان ما يكون وما كان، فقال ابن كلاب: هذا كلام لا يمكن فيه المناظرة، ثم حضر مجلس الجنيد، فسأله عن التوحيد، فأجابه بعبارة مشتملة على المعارف، ثم قال: أعد عليّ لا بتلك العبارة، ثم استعاده الثالثة، فأعاده بعبارة أخرى، فقال: أمله عليّ، فقال: لو كنت أجرّده كنت أمليه، فاعترف بفضله.

وقال الكعبيّ المعتزليّ لبعض الصوفية: رأيت لكم ببغداد شيخا يقال له: الجنيد، ما رأت عينيّ مثله، كان الكتبة يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة لدقة كلامه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه، وكلامه ناء عن فهمهم.

وسئل السّريّ عن الشكر؟ والجنيد صبي يلعب، فأجاب الجنيد: هو أن لا يستعين بنعمه على معاصيه.

وسئل الجنيد عن العارف؟ فقال: من نطق عن سرّك وأنت ساكت.

وقال الجنيد: ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها، قيل: وما هي؟

قال: مررت بدرب القراطيس، فسمعت جارية تغني من دار، فأنصت لها، فسمعتها تقول:


[١] رواه الترمذي رقم (٣١٢٧) في التفسير: باب ومن سورة الحجر، وفي سنده عطية العوفي وهو ضعيف، وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص (١٩) والسيوطي في «الدرّ المنثور» ونسباه لجمهرة من الأئمة الحفّاظ في مصنفات مختلفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>