للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى ... تقولين لولا الهجر لم يطب الحبّ

وإن قلت هذا القلب أحرقه الهوى ... تقولي بنيران الهوى شرف القلب

وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة ... وجودك [١] ذنب لا يقاس به ذنب [٢]

فصعقت وصحت، فبينما أنا كذلك، إذا بصاحب الدار قد خرج، وقال: ما هذا يا سيدي؟ فقلت له: مما سمعت، فقال: هي هبة منّي إليك، قلت: قد قبلتها وهي حرّة لوجه الله تعالى، ثم دفعتها لبعض أصحابنا بالرّباط [٣] ، فولدت له ولدا نبيلا.

ونشأ الجنيد أحسن نشء، وحجّ على قدميه ثلاثين حجّة.

وقال الجريريّ: كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته، وكان يوم جمعة، ويوم نيروز الخليفة، وهو يقرأ القرآن، فقلت له: يا أبا القاسم، ارفق بنفسك. فقال لي: يا أبا محمد، أرأيت أحدا أحوج إليه منّي في هذا الوقت، وهو ذا تطوى صحيفتي، وكان قد ختم القرآن الكريم، ثم بدأ بالبقرة، فقرأ سبعين آية، ثم مات رحمه الله تعالى.

ومناقبه كثيرة، ولو أرسلنا عنان القلم لسوّدنا أسفارا من مناقبه، رضي الله عنه، ودفن بالشونيزية عند خاله سري السقطي، رضي الله عنهما.

وفيها العلّامة أبو يحيى زكريا بن يحيى النيسابوريّ المزكّيّ، شيخ الحنفية، وصاحب التصانيف بنيسابور في ربيع الآخر، وقد ناهز الثمانين.

روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة، وكان ذا عبادة وتقى.

وفيها الزاهد الكبير، أبو عثمان الحيريّ، سعيد بن إسماعيل، شيخ نيسابور. وواعظها، وكبير الصوفية بها، في ربيع الآخر، وله ثمان وستّون


[١] في «وفيات الأعيان» : «حياتك» .
[٢] الأبيات في «وفيات الأعيان» (١/ ٣٧٤) .
[٣] الرباط: المرابطة وهي ملازمة ثغر العدو. انظر «مختار الصحاح» (ربط) .

<<  <  ج: ص:  >  >>