للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر ابن حزم، أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفا، وأنه توفي في هذا العام.

وقال غيره: توفي سنة ثلاثين، وقيل: بعد الثلاثين، وكان قانعا متعفّفا.

قاله في «العبر» .

قلت: ومما بيّض به وجوه أهل السّنّة النبوية، وسوّد به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان به وجه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج، مناظرته مع شيخه الجبّائي، التي بها قصم ظهر كل مبتدع ومرائي [١] ، وهي كما قال ابن خلّكان [٢] : سأل أبو الحسن المذكور أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة، كان أحدهم مؤمنا برّا تقيا، والثاني كان كافرا فاسقا شقيا، والثالث كان صغيرا فماتوا، فكيف حالهم؟ فقال الجبّائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة. فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال:

الجبائي: لا، لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاته [٣] الكثيرة، وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري: فإن قال: ذلك التقصير [٤] ليس منّي، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة، فقال الجبّائي: يقول الباري جلّ وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقا للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك. فقال الأشعري: فلو قال الأخ الأكبر: يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟ فانقطع الجبائي. ولهذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خصّ من شاء برحمته، وخصّ آخر بعذابه. وإلى أبي الحسن انتهت رياسة


[١] في المطبوع: «مرائي» .
[٢] في «وفيات الأعيان» (٤/ ٢٦٧- ٢٦٨) ضمن ترجمة شيخه الجبّائي
[٣] في الأصل والمطبوع: «طاعته» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[٤] في الأصل: «الصغير» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>