من كرفس في جملة ما يحقن به، فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمسة دراهم [منه] فازداد السحج به من حدّة الكرفس، وطرح بعض غلمانه في بعض أدويته شيئا كثيرا من الأفيون، وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء، فخافوا عاقبة أمره عند برئه وكان منذ حصل له الألم يتحامل ويجلس مرة بعد أخرى ولا يحتمي ويجامع، فكان يصلح أسبوعا ويمرض أسبوعا، ثم قصد علاء الدولة همذان ومعه الرئيس، فحصل له القولنج في الطريق، ووصل إلى همذان وقد ضعف جدا وأشرفت قوته على السقوط، فأهمل المداواة وقال:
المدبر الذي في بدني قد عجز عن تدبيره، فلا تنفعني المعالجة، ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء، وردّ المظالم على من عرفه، وأعتق مماليكه، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات في التاريخ المذكور.
وكان نادرة عصره في معرفته وذكائه وتصانيفه، وصنّف كتاب «الشفاء» في الحكمة، و «النجاة» و «الإشارات» و «القانون» وغير ذلك ما يقارب مائة مصنّف [١] ما بين مطوّل [ومختصر] ورسالة في فنون شتى، وله رسائل بديعة، منها: رسالة «حيّ بن يقظان» ورسالة «سلامان [وأبسال] » ورسالة «الطير» وغيرها، وانتفع الناس بكتبه، وهو أحد فلاسفة المسلمين.
ومن شعره قوله في النفس:
هبطت إليك من المحلّ الأرفع ... ورقاء ذات تعزّر وتمنّع
محجوبة عن كل مقلة عارف ... وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما ... كرهت فراقك وهي ذات تفجّع
أنفت وما ألفت فلما واصلت ... ألفت مجاورة الخراب البلقع