للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت له قرية مثقلة الخراج بنواحي أستوا [١] فرأى من الرأي أن يحضر إلى نيسابور يتعلم طرفا من الحساب ليتولى الاستيفاء، ويحمي القرية من الخراج، فحضر نيسابور على هذا العزم، فاتفق حضوره مجلس الشيخ أبي علي الحسين بن علي النيسابوري المعروف بالدقاق، وأقبل عليه وتفرّس فيه النجابة، وجذبه بهمّته، وأشار عليه بالاشتغال بالعلم، فخرج إلى درس أبي بكر محمد بن أبي بكر الطّوسي، وشرع في الفقه حتّى فرغ من تعليقه، ثم اختلف إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وقعد يسمع درسه أياما، فقال له الأستاذ: هذا العلم لا يحصّل بالسماع. ولا بدّ من الضبط بالكتابة، فأعاد عليه جميع ما سمعه في تلك الأيام، فعجب منه، وعرف محلّه، فأكرمه وقال له: ما تحتاج إلى درس، بل يكفيك أن تطالع مصنّفاتي، فقعد وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك، ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر الباقلاني، وهو مع ذلك يحضر مجلس أبي علي الدقاق، وزوّجه ابنته، مع كثرة أقاربها.

وبعد وفاة أبي علي سلك مسلك المجاهدة والتجريد، وأخذ في التصنيف. وسمع من جماعة مشاهير الحديث ببغداد والحجاز، وكان له في الفروسية واستعمال السلاح يد بيضاء، وأما مجالس الوعظ والتذكير، فهو إمامها، وعقد لنفسه مجلس الإملاء في الحديث، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.

وذكره الباخرزي في كتاب «دمية القصر» [٢] فقال: لو قرع الصّخر بسوط [٣] تحذيره لذاب، ولو ربط إبليس في مجلسه لتاب.


[١] قال ياقوت في «معجم البلدان» (١/ ١٧٥) : أستوا، كورة من نواحي نيسابور، معناه بلسانهم المضحاة والمشرقة، تشتمل على ثلاث وتسعين قرية، وقصبتها خبوشان، وانظر تتمة كلامه فيه.
[٢] (٢/ ٢٤٦- ٢٤٨) .
[٣] في «وفيات الأعيان» : «بصوت» فيصحح فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>