للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها محمد بن عمّار أبو بكر المهري، ذو الوزارتين، شاعر الأندلس، كان هو وابن زيدون كفرسي رهان وكان ابن عمّار قد اشتمل عليه المعتمد وبلغ الغاية، إلى أن استوزره، ثم جعله نائبا على مرسية، فخرج عليه، ثم ظفر به المعتمد فقتله.

قال ابن خلّكان [١] : وكانت ملوك الأندلس تخاف ابن عمّار لبذاءة لسانه وبراعة إحسانه، لا سيما حين اشتمل عليه المعتمد على الله بن عبّاد صاحب غرب الأندلس، وأنهضه جليسا وسميرا، وقدّمه وزيرا ومشيرا، ثم رجّع إليه [٢] خاتم الملك، ووجهه أميرا، وقد أتى عليه حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا، فتبعته المواكب، والمضارب، والجنائب، والنجائب، والكتائب، وضربت خلفه الطبول، ونشرت على رأسه الرايات والبنود، فملك مدينة تدمير [٣] وأصبح راقي منبر وسرير، مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير، ثم وثب على مالك رقّه، ومستوجب شكره ومستحقه، فبادر إلى عقوقه وبخس [٤] حقوقه، فتحيّل المعتمد عليه، وسدّد سهام المكائد إليه، حتّى حصل في يده قنيصا [٥] ، وأصبح لا يجد له محيصا، إلى أن قتله المعتمد بيده ليلا في قصره بمدينة إشبيلية.

وكانت ولادته في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ولما قتله المعتمد، رثاه صاحبه ابن وهبون الأندلسي بقوله من جملة قصيدة:

عجبا له أبكيه ملء مدامعي ... وأقول: لا شلّت يمين القاتل


[١] انظر «وفيات الأعيان» (٤/ ٤٢٥- ٤٢٩) .
[٢] في «وفيات الأعيان» : «ثم خلع عليه» .
[٣] قال ياقوت: تدمير: كورة بالأندلس، تتصل بأحواز كورة جيّان، وهي شرقي قرطبة، وانظر تتمة كلامه عنها في «معجم البلدان» (٢/ ١٩) .
[٤] في «آ» و «ط» : «وغش» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[٥] في «آ» : «محيصا» وما أثبته من «ط» و «وفيات الأعيان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>