للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليل المثل، وكان يقرأ كل يوم سبعا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير، ويصوم الاثنين والخميس، ويهتمّ بالجهاد والنظر في الملك كأنما خلق له، وكان سفّاكا لدماء من خالفه. سأل أصحابه مسألة ألقاها عليهم فقالوا: لا علم لنا إلّا ما علّمتنا [١] ، فلم ينكر ذلك عليهم، فكتب بعض الزهاد هذين البيتين ووضعهما تحت سجادته وهما:

يا ذا الذي قهر الأنام بسيفه ... ماذا يضرّك أن تكون إلها

الفظ بها فيما لفظت فإنّه ... لم يبق شيء أن تقول سواها

فلما رآها وجم وعظّم أمرهما، وعلم أن ذلك بكونه لم ينكر على أصحابه قولهم: لا علم لنا إلّا ما علّمتنا، فكان عبد المؤمن يتزيّا بزي العامة ليقف على الحقائق، فوقعت عيناه على شيخ عليه سيما الخير، فتفرّس فيه أنه قائل البيتين، فقال له: أصدقني أنت قائل البيتين، قال: أنا هو، قال: لم فعلت ذلك؟ قال: قصدت إصلاح دينك، فدفع إليه ألف دينار فلم يقبلها.

ومن شعره وقد كثر الثوار عليه:

لا تحفلنّ بما قالوا وما فعلوا ... إن كنت تسمو إلى العليا من الرّتب

وجرّد السيف فيما أنت طالبه ... فما تردّ صدور الخيل بالكتب

ومات غازيا بمدينة سلا في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.

وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن عمّار بن أحمد بن علي ابن عبدوس الحرّاني [٢] الفقيه الحنبلي الزاهد العارف الواعظ.

ولد سنة عشر- أو إحدى عشرة- وخمسمائة. وسمع ببغداد من ابن


[١] وذلك تشبها بجواب الملائكة المكرمين لله عزّ وجل في الآية (٣٢) من سورة البقرة: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ٢: ٣٢ نعوذ بالله من سوء العاقبة ونسأله تعالى أن يلهمنا حسن الختام بفضله وكرمه.
[٢] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (١/ ٢٤١- ٢٤٤) و «المنهج الأحمد» (٢/ ٣٢٥- ٣٢٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>