بالإسكندرية خرج بين يدي صلاح الدّين وقاتل بين يديه، وبلغ ذلك شاور فطلبه، فلما حضر أركبه على جمل وعلى رأسه طرطور ووراؤه نفاط ينادي عليه والرشيد ينشد:
إن كان عندك يا زمان بقيّة ... ممّا تهين به الكرام فهاتها
ثم يتلو القرآن، ثم أمر به أن يصلب شنقا، فلما أحضر للشنق جعل يقول للذي تولى [١] ذلك عجّل عجّل فلا رغبة لكريم في حياة بعد هذه الحال، فصلب ثم بعد حين قتل شاور، فلما أرادوا دفنه حفروا له قبرا فوجدوا الرشيد مدفونا فيه، فدفنا معا، ثم نقل كل واحد منهما إلى تربة بالقرافة.
وكان الساعي في صلبه الفقيه عمارة اليمني، وقال: هذا أبو الفتن، ثم إن الفقيه عمارة صلب كما سيأتي، فإن المجازاة من جنس العمل، والمرء مقتول بما قتل به، ولما كان باليمن كتب إليه أخوه المهذّب:
يا ربع أين ترى الأحبة يمموا ... هل أنجدوا من بعدنا أم أتهموا
نزلوا من العين السّواد وإن نأوا ... ومن الفؤاد مكان ما أتكلّم
رحلوا وفي القلب المعنّى بعدهم ... وجد على مرّ الزّمان مخيم
رحلوا وقد لاح الصّباح وإنّما ... تسري إذا جنّ الظّلام الأنجم
وهي طويلة.
فأجابه الرشيد:
رحلوا فلا خلت المنازل منهم ... ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم
وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم ... وضياء نور الشّمس ما لا يكتم
وتبدّلوا أرض العقيق عن الحمى ... روّت جفوني أي أرض يمّموا
نزلوا العذيب وإنما هي مهجتي ... نزلوا وفي قلبي المعنّى خيّموا