للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة، وهذا شيء لا نعلمه وقع لأحد بالأندلس غيره. توفي في آخر هذا العام.

وفيها الملك الظاهر غازي [بن يوسف] [١] ، صاحب حلب، ولد السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب.

ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمسمائة، وحدّث عن عبد الله بن برّي وجماعة، وكان بديع الحسن، كامل الملاحة، ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي، فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل، ويوهم عمه أنّه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه، وكان سمحا جوادا، تزوّج بابنتي عمّه.

قال ابن خلّكان [٢] : كان ملكا، مهيبا، حازما، متيقظا، كثير الاطلاع على أحوال رعيته وأخبار الملوك، عالي الهمّة، حسن التدبير والسياسة، باسط العدل، محبا للعلماء، مجيزا للشعراء. أعطاه والده مملكة حلب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بعد أن كانت لعمّه الملك العادل، فنزل عنها وتعوّض غيرها.

ويحكى عن سرعة إدراكه أشياء حسنة، منها: أنه جلس يوما لعرض العسكر، وديوانيّ [٣] الجيش بين يديه، فكان كلما حضر واحد من الأجناد سأله الديوانيّ [٣] عن اسمه لينزلوه حتّى حضر واحد فسألوه، فقبّل الأرض، فلم يفطن أحد من أرباب الديوان لما أراد، فعاودوا سؤاله [٤] ، فقال الملك الظاهر: اسمه غازي، وكان كذلك، وتأدب الجندي أن يذكر اسمه لما كان موافقا اسم السلطان، وعرف هو مقصوده، وله من هذا الجنس شيء


[١] انظر «العبر» (٥/ ٤٦) و «تاريخ الإسلام» (٦٢/ ١٥١- ١٥٥) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[٢] انظر «وفيات الأعيان» (٤/ ٦) .
[٣] في «وفيات الأعيان» : «وديوان» و «الديوان» وما جاء في كتابنا هو الصواب.
[٤] في «آ» و «ط» : «فعاود وسأله» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>