للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ عبد الرّؤوف [١] المناوي في «طبقاته» : الملقب في جميع الآفاق بسلطان المحبّين والعشّاق، المنعوت بين أهل الخلاف والوفاق بأنه سيّد شعراء عصره على الإطلاق. له النظم الذي يستخف أهل الحلوم والنثر، الذي تغار منه النّثرة [٢] بل سائر النجوم.

قدم أبوه من حماة إلى مصر، فقطنها وصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكّام، ثم ولي نيابة الحكم، فغلب عليه التّلقيب بالفارض، ثم ولد له بمصر عمر في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة، فنشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة، وعبادة وديانة، بل زهد وقناعة، وورع أسدل عليه لباسه وقناعه. فلما شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وعنه الحافظ المنذري وغيره. ثم حبّب إليه الخلاء وسلوك طريق الصّوفية، فتزهّد وتجرّد، وصار يستأذن أباه في السياحة فيسيح في الجبل الثاني من المقطّم، ويأوي إلى بعض أوديته مرّة، وفي بعض المساجد المهجورة في خربات القرافة مرّة، ثم يعود إلى والده، فيقيم عنده مدة، ثم يشتاق إلى التجرّد ويعود إلى الجبل، وهكذا حتّى ألف الوحشة وألفه الوحش، فصار لا ينفر منه، ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء حتّى أخبره البقّال أنه إنما يفتح عليه بمكّة. فخرج فورا في غير أشهر الحجّ ذاهبا إلى مكّة، فلم تزل الكعبة أمامه، حتى دخلها، وانقطع بواد بينه وبين مكّة عشر ليال، فصار يذهب من ذلك الوادي وصحبته أسد عظيم إلى مكّة فيصلي بها الصلوات الخمس، ويعود إلى محلّه من يومه، وأنشأ غالب نظمه حالتئذ، وكان الأسد يكلّمه ويسأله أن يركب عليه فيأبي، وأقام كذلك نحو خمسة عشر عاما، ثم رجع إلى مصر فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، وعكف عليه الأئمة،


[١] هو محمد عبد الرؤوف المناوي، المتوفى سنة (١٠٣١) هـ. (ع) .
[٢] النّثرة: كوكب في السماء كأنه لطخ سحاب كوكبين، تسميه العرب نثرة الأسد وهي من منازل القمر، وهي في علم النجوم من برج السّرطان. انظر «لسان العرب» (نثر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>