للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي لم يزل مضمر [١] الختلة، مع أنه حلّاه في «الإحاطة» أحسن الحلي، وصدّقه فيما انتحله من أوصاف العلى، ومن أعدائه الذين باينوه بعد أن كانوا يسعون في مرضاته سعي العبيد القاضي أبو الحسن بن الحسن النّباهي [٢] ، فكم قبّل يده ثم جاهره [٣] عند انتقال الحال، وجدّ في أمره مع ابن زمرك، حتّى قتل وانقضت دولته، فسبحان من لا يتحوّل ملكه ولا يبيد، وذلك أن ابن زمرك قدم على السلطان أبي العبّاس، وأحضر ابن الخطيب من السّجن، وعرض عليه بعض مقالات وكلمات وقعت له في كتاب «المحبّة» فعظم النكير فيها، فوبّخ ونكّل وامتحن بالعذاب، بمشهد من ذلك الملأ. ثم تلا إلى مجلسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه، وإفتاء بعض الفقهاء فيه، فطوقوا عليه السّجن ليلا، وقتلوه خنقا، وأخرجوا شلوه [٤] من الغد، فدفن بمقبرة باب المحروق. ثم أصبح من الغد على شفير قبره طريحا، وقد جمعت له أعواد، وأضرمت عليه نار، فاحترق شعره، واسودّ بشره، فأعيد إلى حفرته. وكان في ذلك انتهاء محنته. أي ولذلك سمّي ذا القبرين، وذا الميتتين.

وكان- رحمه الله تعالى- أيام امتحانه بالسّجن يتوقع مصيبة الموت فتهجس هواتفه بالشعر يبكي نفسه، ومما قال في ذلك:

بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ ونحن صموت


جمع السلطان ابن الأحمر شعره وموشحاته في مجلد ضخم سمّاه «البقية والمدرك من كلام ابن زمرك» . مات سنة (٧٩٣) هـ. انظر «الإحاطة» (٣/ ٣٠٠- ٣١٤) و «الأعلام» (٧/ ١٥٤) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[١] تحرفت في «ط» إلى «مغمر» .
[٢] هو علي بن عبد الله بن محمد الجذامي المالقي النّباهي أبو الحسن، المعروف بابن الحسن.
قاض من الأدباء المؤرخين. مات سنة (٧٩٢) هـ. انظر «الإحاطة» (٤/ ٨٨- ١٠١) و «الأعلام» (٤/ ٣٠٦) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[٣] في «آ» و «ط» : «ثم جاهرك» وما أثبته يقتضيه السياق.
[٤] جاء في «مختار الصحاح» (شلو) : الشلو: العضو من أعضاء اللّحم.

<<  <  ج: ص:  >  >>