صفد، وقد أجيز، وأخذ من طلب العلم أربه، فاشتغل بالعلم، وأفتى، وفاق في النّظم، والنثر، وصحب الفقراء والصّالحين، ثم توجه إلى الدّيار المصرية، واجتمع بالملك الظّاهر فولاه خطابة بالجامع الأموي، فقدم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين، ثم لما قدم السلطان في سنة ثلاث وتسعين ولّاه القضاء في ذي الحجّة، فباشر بعفّة، ومهابة زائدة وتصميم في الأمور، مع نفوذ لحكمه، وكان يكاتب السلطان بما يريد فيرجع الجواب بما يختاره، وانضبطت [١] الأوقاف في أيامه، وحصل للفقهاء معاليم كثيرة، ودرّس الفقه والتفسير في مدارس كثيرة، وولي مشيخة الشيوخ، ثم وقعت له أمور أوجبت تغير خاطر السلطان عليه، منها أنه طلب أن يقرضه من مال الأيتام شيئا فامتنع فعزله بعد ما باشر سنتين ونصفا، وكشف عليه، وعقدت له مجالس وحصل في حقّه تعصب، ولفّقت عليه قضايا باطلة أظهر الله براءته منها ولم يسمع عنه مع كثرة أعدائه أنه ارتشى في حكم من الأحكام، ولا أخذ شيئا من قضاة البر كما فعله من بعده من القضاة، ثم ولي خطابة القدس مدة طويلة ثم خطابة دمشق ومشيخة الشيوخ، ثم ولاه الناصر القضاء في صفر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ولم يمكنه إجراء الأمور على ما كان أولا لتغير الأحوال واختلاف الدول، ثم صرفه الأمير شيخ عند استيلائه على دمشق في جمادى الآخرة من السنة وفي فتنة الناصر، ولي قضاء الدّيار المصرية مدة الحصار، ثم انتقض، وكان خطيبا بليغا له اليد الطولي في النّظم والنّثر، مع السّرعة في ذلك، وكان من أعظم أنصار الحقّ وأعوانه، أعزّ الله تعالى به الدّين، وكفّ به أكفّ المفسدين، وكان ظاهر الدّيانة، وكثير البكاء، وكتب الكثير بخطّه، وجمع أشياء. انتهى باختصار.
وقال ابن حجر: اجتمعت به ببيت المقدس والقاهرة، وأنشدني من نظمه، وسمعت عليه، وهو القائل: