للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتّى أخذ له مئزر صوف صعيدي من فوق رأس بعض جواريه، ولا وجد له طاسة يصب بها عليه الماء وهو يغسل، مع كثرة ما خلّف من الأموال. انتهى.

ودفن بقبته التي أنشأها بالجامع المؤيدي بباب زويلة.

وفيها أبو الفتح ططر بن عبد الله الظّاهري [١] ، ملك الدّيار المصرية والشامية.

كان من جملة مماليك الظّاهر برقوق، ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة مقدم ألف بالدّيار [٢] المصرية، وتنقلت به الأحوال إلى أن مرض الملك المؤيد، وأوصى له بالتكلم على ابنه أحمد، فلما مات المؤيد خرج ططر إلى البلاد الشامية بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر، وعزل، وولّي، ثم دخل حلب، ثم عاد إلى دمشق، واستمال الخواطر، وتحبّب إلى الأمراء، ثم عزم على خلع الملك المظفّر لصغره، فخلعه في تاسع عشري شعبان من هذه السنة، وتسلطن هو، ولقّب بالملك الظّاهر أبي الفتح، وجلس على كرسي الملك، ثم في سابع عشر شهر رمضان برز من دمشق إلى الدّيار المصرية فوصلها يوم الخميس رابع شوال، فمرض ولزم بيته إلى يوم الثلاثاء أول ذي القعدة، نصل، ودخل الحمام، وتباشر الناس بعافيته، ثم أخذ مرضه يتزايد إلى ثاني ذي الحجّة، فجمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة، وعهد لولده محمد، وأن يكون الأمير جانبك الصّوفي متكلما في الأمور، وحلف الأمراء على ذلك، كما حلف هو غير مرّة لابن الملك المؤيد، وتوفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجّة وله نحو خمسين سنة، ودفن بالقرافة بجوار الإمام اللّيث بن سعد، وكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوما، وفي هذه المدة اليسيرة لا يستقلّ ما فعل من الانتقام والجور وسفك الدماء، فأتعب نفسه، ومهد لغيره، وكان ملكا عارفا فطنا، عفيفا عن المنكرات، مائلا إلى العدل، يحب الفقهاء وأهل العلم، ويذاكر بالفقه، ويشارك فيه، وله فهم وذوق في البحث، بارعا في حفظ الشعر التركي، عارفا بمعانيه، وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط، مع طيش


[١] ترجمته في «إنباء الغمر» (٧/ ٤٣٨) و «الضوء اللامع» (٤/ ٧- ٨) ، و «الدليل الشافي» (١/ ٣٦٣) .
[٢] في «آ» : «الدّيار» .

<<  <  ج: ص:  >  >>