للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسلمها علماء النقول، ولا تسعها [١] منهم العقول، إذ كان ممن أقيم في السماع وكشف [٢] القناع، والضرب ببعض الآلات، والبسط والخلاعات، ثم اعتذر عن ضربه بالآلات، بما هو مذكور في «شرح التائية» .

وبالجملة فكان ابن حبيب، رضي الله عنه، متسترا بالخلاعة، والنفخ في المواصيل، والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل، كل ذلك لأجل التستر ويأبى الله إلّا أن يتم نوره، ويظهر أمره، حتى رسخ في النّفوس أنه من كمّل [٣] العارفين، وكان حيثما سمع الأذان وقف وأذّن، وكان ربما مشى بدبّوس أمام نائب صفد، وكان لا يمكن أحدا من تقبيل يده، وإنما يبادئ بالمصافحة، ويطوف على أهل السوق، فيصافحهم في حوانيتهم واحدا واحدا، وكان يداعب الناس ويباسطهم، وكان يقول يأتون فيقولون: سلكنا وغزلهم معرقل، وكان يقول: لو جاءني صادق لطبخته في يومين، وكان في ابتدائه يثور به الغرام، وتسري فيه المحبة والشوق حتى يفيض على رأسه الماء من [٤] إناء كبير فلا يصل إلى سرته من شدة الحرارة الكائنة في بدنه، وكان ينفرد الأيام والليالي في البراري والصّحاري حتى فجأته العناية ووافقته [٥] الهداية، وجاءته الفيوض العرفانية، والمواهب الربانية، وكان لا يتكلم في رمضان إلّا بالإشارة خوفا من النطق بما لا يعني، وكان لا يقبل هدايا الأمراء، وإذا جاءته رسالة من إخوانه لا يأخذها إلّا وهو متوضئ.

وقال: مرة لبعض أصحابه: تقدم فامش أمامي، ثم أخبره عن سبب ذلك أنه كان معه كتاب فيه بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١: ١ ففعل ذلك تعظيما.

وكان مبتلى بأمراض وعلل خطيرة حتى عمّت سائر جسده، وربما طرحته في الفراش، وهو على وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئا بإحضار الشهوة ومنعها إياها أياما.

وكان يعتقد ابن عربي اعتقادا زائدا، ويؤول كلامه تأويلا حسنا.


[١] ليست اللفظة في «آ» .
[٢] في «آ» : «وقشف» وهو تحريف.
[٣] في «ط» : «أكمل» .
[٤] في «ط» : «في» .
[٥] في «أ» : «وافقه» وفي «الكواكب» : «وافته» .

<<  <  ج: ص:  >  >>