للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عثمان فهرب منها وعاد إلى حلب، فلما انتصر عسكر مصر على الأروام عاد إلى طرسوس مرة ثانية، ثم أخذها الأروام مع ما والاها فهرب منها أيضا إلى حلب ثم نصر عسكر مصر ثانيا فعاد إليها مرة ثالثة، ثم أعطي نيابة ملطية، فلما مات الملك الأشرف قايتباي رجع إلى مصر ووقعت له أمور في دولة الملك الناصر بن قايتباي، ثم أعطاه تقدمة ألف، ثم في دولة جان بلاط أعطاه رأس نوبة النّوب، ثم تنقّلت به الأحوال إلى أن صار سلطانا.

قال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه «نزهة الناظرين» : تولى الملك يوم الاثنين عيد الفطر مستهل شوال سنة ست وتسعمائة بعد أن هاب أمر الجلوس على تخت الملك، وجعل بعضهم يحيل على بعض في الجلوس عليه، فاتفقوا على الغوري لأنهم رأوه [١] ليّن العريكة، سهل الإزالة- أي وقت أرادوا- وليس الأمر كما ظنوا، فقال لهم أقبل ذلك بشرط أن لا تقتلوني بل إذا أردتم خلعي وافقتكم، فاستوثق منهم وبويع بقلعة الجبل بحضرة الخليفة المستنصر بالله والقضاة الأربع وأصحاب الحلّ والعقد، فأقام سلطانا خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما، وكان ذا رأي وفطنة كثير الدّهاء والعسف قمع الأمراء وأذل المعاندين، حتّى اشتد ملكه وهيبته فهادته الملوك وأرسلت قصادها إليه كملك الهند، واليمن، والمغرب، والرّوم، والمشرق، والعبد، والزّنج، وفكّ الأسرى منهم، وكان له المواكب الهائلة، ومهد طريق الحجّ بحيث كان يسافر فيه النّفر اليسير، وكانت فيه خصال حسنة، وكان يصرف لمطبخ الجامع الأزهر في رمضان ستمائة وسبعين دينارا، ومائة قنطار عسل، وخمسمائة إردب قمح للخبز المفرق فيه.

وفي أيامه بنى دائرة الحجر الشريف وبعض أروقة المسجد الحرام وباب إبراهيم، وجعل علوه قصرا شاهقا وتحته ميضأة، وبنى عدة خانات وآبار في طريق [٢] الحج المصري، منها خان في العقبة والأزلم وأنشأ مدرسة بسوق الجملون بالقاهرة والتربة المقابلة لها والمئذنة المعتبرة بالجامع الأزهر، والبستان


[١] في «ط» : «يروه» .
[٢] في «أ» : (طرق) .

<<  <  ج: ص:  >  >>