للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل إذا غضب على رجل قال: يا قمل، رح إليه فيمتلئ قملا فلا ينام ويعجز عن تنقيته، فذهب إليه، وقال: ما تعمل يا شيخ القمل، وأخذه بيده ورماه في الهواء فلم يعرف له خبر.

ومنها أنه سافر هو والشيخ أبو العبّاس الغمري، فاشتد الحرّ، وعطش الغمري وليس هناك ماء فأخذ ابن عنان طاسة وغرف بها من الأرض اليابسة، وقال:

اشرب، فقال الغمري: الظّهور يقطع الظّهور، فقال: لولا خوف الظّهور جعلتها بركة يشرب منها إلى يوم القيامة.

ومنها أنه أتى برجل أكل محارتين فسيخا وحملين تمرا في ليلة واحدة، فوضع له رغيفا صغيرا في فمه فلم تزل تلك أكلته كل يوم حتّى مات، وكانت أوقاته مضبوطة لا يصغي لكلام أحد ويقول: كل نفس مقوم على صاحبه بسنة وغضب من أهل بلاده لعدم قبولهم الأمر بالمعروف، فقدم مصر، وسكن بسطح جامع الغمري، وكان كل مسجد أقام به لا يقيم إلا على سطحه شتاء وصيفا، وكان يقول لصحبه احرصوا عليّ إيمانكم في هذا الزّمان فإنه لم يبق مع غالب الناس عمل يعتمد عليه، وأما الأعمال الصالحة فقد تودّع منها لكثرة العلل فيها.

وقال: من أراد أن يسمع كلام الموتى في قبورهم فليعمل على كتم الأسرار، فإن المانع من سماعه عدم القدرة على الكتمان. ولما احتضر بسطح جامع باب البحر مات نصفه الأسفل فصلّى وهو قاعد فأضجعوه لما فرغ، فما زال يهمهم بشفتيه والسّبحة في يده حتّى صعدت روحه، وذلك في شهر ربيع الأول عن نحو مائة وعشرين سنة ودفن خلف محراب جامع المقسم وبنى عليه ولده [١] الشيخ أبو الصّفا قبة وزاوية.

وفيها شمس الدّين محمد بن رمضان [٢] الشيخ الإمام العالم العلّامة الدمشقي مفتي الحنفية بها.


[١] في «ط» : (والده) وهو خطأ.
[٢] ترجمته في «الكواكب السائرة» (١/ ٤٩- ٥٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>