للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تزوج من شئت، وبويع له وهو ابن أربع وعشرين، أو ثمان وعشرين، وكان بينه وبين أبيه في السن أربع عشرة سنة، وسمّي السّفّاح لأنه سفح دماء بني أميّة، وكان يحتمل من عبد الله بن الحسين المثنى مواجهته له بما يكره، ويعطيه العطاء الجزيل، وقال له أخوه المنصور يوما في عبد الله بن الحسين وابنه محمّد: إن هؤلاء شنئونا [١] فآنسهم بالإحسان، فإن استوحشوا، فالشر يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمدا يسرح [٢] في أعنّة العقوق، فقال له السّفّاح: من شدّد نفّر، ومن لان تألّف، والتغافل من سجايا الكرام.

ودخل على السّفّاح أبو نخيلة [٣] فسلم عليه، وانتسب له، وقال: عبدك يا أمير المؤمنين وشاعرك، أفتأذن لي في إنشادك؟ فقال له: ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بن مروان؟:


[١] قال ابن منظور: الشّناءة مثل الشّناعة: البغض. انظر «لسان العرب» (شنأ) .
[٢] في المطبوع: «يمرح» .
[٣] في الأصل، والمطبوع: «أبو نحيلة» وهو تصحيف. قال أبو الفرج الأصفهاني: أبو نخيلة اسمه لا كنيته، ويكنى أبو الجنيد، ذكر الأصمعي ذلك، وأبو عمرو الشيباني، وابن حبيب، لا يعرف له اسم غيره، وله كنيتان: أبو الجنيد، وأبو العرماس، وهو ابن حزن بن زائدة بن لقيط ابن هرم بن يثربي، وقيل: ابن أثربي بن ظالم بن مجاشر بن حمان بن عبد العزى بن كعب بن لؤي بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وكان عاقا بأبيه، فنفاه أبوه عن نفسه، فخرج إلى الشام وأقام هناك إلى أن مات أبوه، ثم عاد وبقي مشكوكا في نسبه، مطعونا عليه، وكان الأغلب عليه الرجز، وله قصيد ليس بالكبير. ولما خرج إلى الشام اتصل بمسلمة بن عبد الملك، فاصطنعه، وأحسن إليه، وأوصله إلى الخلفاء واحدا بعد واحد، واستماحهم له، فأغنوه، وكان بعد ذلك قليل الوفاء لهم. انقطع إلى بني هاشم، ولقب نفسه شاعر بني هاشم، فمدح الخلفاء من بني العبّاس، وهجا بني أمية فأكثر. وكان طامعا، فحمله ذلك على أن قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها بخلع عيسى بن موسى، وبعقد العهد لابنه محمد المهدي، فوصله المنصور بألفي درهم، وأمره أن ينشدها بحضرة عيسى بن موسى، ففعل، فطلبه عيسى فهرب منه، وبعث في طلبه مولى له، فأدركه في طريق خراسان، فذبحه وسلخ جلده.
«الأغاني» (٢٠/ ٣٩٠) ، وانظر «الأعلام» للزركلي (٨/ ١٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>