للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أبو العبّاس إذا حضر طعامه أبسط النّاس وجها [١] ، فكان إبراهيم بن مخرمة الكنديّ إذا أراد أن يسأله حاجة أخّرها إلى أن يحضر طعامه، ثم يسأله، فقال له يوما: يا إبراهيم، ما دعاك إلى أن تشغلني عن طعامي بحوائجك؟ قال: يدعوني إلى ذلك التماس النّجح لمن [٢] أسال له، فقال له أبو العبّاس: إنك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة.

وكان إذا تعادى رجلان من أصحاب السّفّاح وبطانته لم يسمع من أحدهما في الآخر شيئا ولم يقبله وإن كان القائل عنده عدلا في شهادته، وإذا اصطلح الرّجلان لم يقبل شهادة واحد منهما لصاحبه ولا عليه، ويقول: إن الضغينة القديمة تولّد العداوة المحضة، وتحمل على إظهار المسالمة وتحتها الأفعى التي إذا استمكنت [٣] لم تبق.

وكان في أول أيامه يظهر لندمائه، ثم احتجب عنهم، وذلك لسنة خلت من ملكه، وكان قعوده من وراء الستارة، وإذا غنّاه أحد صوتا يطرب من وراء الستارة ويصيح بالمطرب له من المغنّين: أحسنت والله، أعد هذا الصوت [٤] .

وكان لا ينصرف عنه أحد من ندمائه ولا مطربيه إلّا بصلة من مال أو كسوة، ويقول: لا يكون سرورنا معجّلا، ومكافأة من سرّنا وأطربنا مؤجّلا، وقد سبقه إلى هذا الفعل بهرام جور من ملوك الفرس.

وقد حضر أبو بكر الهذلي ذات يوم والسّفّاح مقبل عليه يحدّثه بحديث


[١] في «مروج الذهب» : «أبسط ما يكون وجها» .
[٢] في «مروج الذهب» : «لما» .
[٣] في «مروج الذهب» : «إذا تمكنت» .
[٤] في الأصل والمطبوع: «وأعد هذا الصوت» وأثبت ما في «مروج الذهب» (٣/ ٢٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>