للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الفرات في «تاريخه» [١] : روى علي بن حرملة عن أبي يوسف- رحمه الله- قال: كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقلّ رثّ المنزل، فجاء أبي يوما وأنا عند أبي حنيفة، فانصرفت معه، فقال: يا بني أنت محتاج إلي المعاش، وأبو حنيفة مستغن، فقصرت عن طلب العلم وآثرت طاعة أبي، فتفقّدني أبو حنيفة وسأل عنّي، فلما أتيته بعد تأخيري عنه قال: ما خلّفك؟

قلت: الشغل بالمعاش، وطاعة والدي، فلما أردت الانصراف أومأ إليّ فجلست، فلما قام النّاس دفع إليّ صرّة وقال: استعن بهذه والزم الحلقة، وإذا فقدت هذه فأعلمني، فإذا فيها مائة درهم، فلزمت الحلقة، فكان يتعاهدني بشيء بعد شيء، وما أعلمته بنفاد شيء حتّى استغنيت، وتموّلت، فلزمت مجلسه حتّى بلغت حاجتي، وفتح الله لي ببركته وحسن نيّته، فأنتج من العلم المال، فأحسن الله مكافأته وغفر له.

وقال ابن عبد البرّ: كان أبو يوسف القاضي فقيها، عالما، حافظا، ذكر أنه كان يعرف بالحديث، وأنه كان يحضر التحديث فيحفظ خمسين حديثا وستين حديثا ثم يقوم فيمليها على النّاس.

وكان كثير الحديث، وكان جالس محمد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، ثم جالس أبا حنيفة- رضي الله عنهما- وكان الغالب عليه مذهبه، وربما كان يخالفه أحيانا في المسألة بعد المسألة. وكان يقول في دبر كلّ صلاة:

اللهمّ اغفر لي ولأبي حنيفة.

ثم قال ابن عبد البرّ: ولا أعلم قاضيا كان إليه تولية القضاء في الآفاق من المشرق إلى المغرب إلّا أبا يوسف في زمانه، وهو أول من لقّب بقاضي القضاة.


[١] واسمه «الطريق الواضح المسلوك إلى معرفة تراجم الخلفاء والملوك» وصاحبه هو محمد بن عبد الرحيم بن علي بن محمّد الحنفي، والمعروف بابن الفرات. مات سنة (٨٠٧) هـ. وكتابه ليس بين أيدينا. انظر «الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٠٠) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد التاسع من طبعتنا هذه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>