وقال ابن الأهدل: وفي إمرة الرّشيد وأخيه الهادي قام يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنّى وبثّ دعاته في الأرض، وبايعه كثيرون من أهل الحرمين، واليمن، ومصر، والعراقين. وبايعه من العلماء محمد بن إدريس الشّافعي، وعبد ربّه بن علقمة، وسليمان بن جرير، وبشر بن المعتمر، والحسن بن صالح، وغيرهم. وكان هذا في زمن الهادي، فلما فتّش عنه الرّشيد وأخذ عليه بالرصد والطلب، وأمعن في ذلك، فلحق يحيى بخاقان ملك التّرك، وأقام عنده سنتين وستة أشهر والكتب ترد عليه من هارون، وعماله يسألونه تسليم يحيى، فأبى وقال: لا أرى في ديني الغدر، وهو رجل من ولد نبيّكم، شيخ عالم. وقيل: إنه أسلم على يديه سرّا، ثم رحل يحيى من عنده إلى طبرستان، ثم إلى الدّيلم، فأنفذ هارون في طلبه الفضل بن يحيى البرمكي في ثمانين ألف رجل، وكاتبه ملك الدّيلم من الرّيّ، وبذلوا له الأموال حتّى انخدع، ولما فهم يحيى فشله قبل أمان الرّشيد بالأيمان المغلّظة، وكتب له بذلك نسختين، ونسخة عنده، ونسخة عند يحيى البرمكي، فلما قدم عليه أظهر برّه وكرامته. وأعطاه مالا جزيلا، ثم خرج إلى المدينة بإذنه، وقيل: بإذن الفضل دونه، وفرّق المال بالمدينة على قرابته، وقضى دين الحسين بن علي، وحجّ ولم يزل آمنا حتّى وشى به عبد الله بن مصعب الزّبيريّ، فاستدعاه الرّشيد وأخبره بقول الزّبيريّ، فقال يحيى: إن هذا قد كان بايع أخي محمدا ومدحه بقوله:
قوموا بأمركم ننهض بنصرتنا ... إنّ الخلافة فيكم يا بني الحسن
واليوم يكذب عليّ ويسعى بي إليك، فصدّقه هارون وعذره، ومات ابن مصعب في اليوم الثالث.
قيل: وسبب نقض أمان يحيى أنه قال له الرشيد في مناظرات عددها ويحيى في كلّها يقيم له الحجّة على نفسه اتقاء لشرّه، حتّى قال له: من