للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواري إلى وقت رجوعي، فلولا ما قال الأخطل:

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بأطهار [١]

لأقمت.

قال [٢] : فلما دخلت الجارية إلى منزلها وخرج المأمون اعتلّت علّة شديدة، وورد نعي المأمون- رحمه الله تعالى- فلما بلغها ذلك تنفّست الصعداء وقالت- وهي تجود بنفسها-:

إنّ الزّمان سقانا من مرارته ... بعد الحلاوة كاسات فأروانا

أبدى لنا تارة منه فأضحكنا ... ثمّ انثنى تارة أخرى فأبكانا [٣]

ثم شهقت شهقة واحدة فماتت. انتهى.

وحكي أن المأمون أتي بجارية فائقة الجمال بارعة الكمال، وكان في رجلها عرج، فلما نظر إليها المأمون أعجبه جمالها وساءه عرجها، فقال للنخّاس [٤] : خذ بيد جاريتك، فلولا عرجها لاشتريتها. فقالت: يا أمير المؤمنين إني وقت حاجتك إليّ تكون رجلي بحيث لا تراها، فأعجبه جوابها وأمر بشرائها، وأن يعطى مولاها ما احتكم، وحظيت عنده.

وكان له حلم شديد، كان يقول: والله إني لأخشى أن لا أثاب على الحلم والعفو لما أرى فيهما من اللّذة، ولو علم النّاس ذلك لتقرّبوا إليّ بالجناية.

وكان حسن المحاضرة، لطيف المسامرة. فمن ذلك ما ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب «الأغاني» [٥] قال: لمّا تواتر النقل عند المأمون عن


[١] البيت في «ديوانه» ص (١٢٠) المطبوع في قطر على نفقة الشيخ على آل ثاني حاكم قطر الأسبق رحمه الله تعالى، و «الجليس الأنيس» (١/ ٤٢٦) .
[٢] القائل ابن الفرات في «تاريخه» .
[٣] البيتان في «الجليس والأنيس» (١/ ٤٢٦- ٤٢٧) .
[٤] يعني لبائع الرقيق. انظر: «لسان العرب» (نخس) .
[٥] الخبر في «الأغاني» (٢٠/ ٢٥٥) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف.

<<  <  ج: ص:  >  >>