للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّدون ودلّى رجليه في مائه، فأعجبه برد مائه وصفاؤه، فقال: لو أكلنا رطبا وشربنا من هذا الماء البارد لكان حسنا، فلم يخرج الكلام من فيه إلّا ومواقع حوافر خيل البريد أقبلت من آزاد [١] وعليها حقائب الرّطب، فحمد الله تعالى على ذلك وأكل منه، فحمّ وتحركت عليه مادة في حلقه فبطت [٢] قبل بلوغها غايتها، فكانت سبب وفاته.

وحال وفاته كتب وصية: هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولا مدبّر غيره، وأنه خالق وما سواه مخلوق، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حق، والبعث والحساب حقّ، والجنّة والنّار حق، وأن محمدا- صلى الله عليه وسلم- بلّغ عن ربه شرائع [٣] دينه، وأدّى النصيحة إلى أمته حتّى توفاه الله إليه، فصلى الله عليه أفضل صلاة صلاها على أحد من ملائكته المقربين وأنبيائه والمرسلين، وإني مقرّ بذنبي أخاف وأرجو، إلّا أني إذا ذكرت عفو الله رجوت، فإذا أنا متّ فوجّهوني وغمّضوني، وأسبغوا وضوئي، وأجيدوا كفني، وليصل عليّ أقربكم مني نسبا وأكبركم سنا، وليكبّر خمسا [٤] ، ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة، وضعوني في لحدي، وسدّوا عليّ باللبن، ثم احثوا التراب عليّ وخلّوني وعملي، فكلكم لا يغني عني شيئا، ولا يدفع عني مكروها، ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم، وأمسكوا عن ذكر شر إن عرفتم. ثم قال: يا ليت عبد الله لم يكن شيئا، يا ليته لم يخلق. ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم: يا أبا إسحاق ادن مني واتّعظ بما ترى، وخذ


[١] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان والأنساب ومعجمات اللغة، ولعلّ الصواب «من آزاذوار» بليدة من أعمال نيسابور، أو «أرّان» والله أعلم. انظر «معجم البلدان» (١/ ١٦٧) .
[٢] أي انشقّت. انظر «لسان العرب» (بطط) .
[٣] في الأصل: «شعائر» وأثبت لفظ المطبوع.
[٤] أقول: ثبت في السنة أن التكبير على الجنازة ما بين أربع إلى تسع، وقد كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة تسع تكبيرات. (ع) .

<<  <  ج: ص:  >  >>