فيسهل عليه الرد إليها والتخريج عليها، وأَنَّ الفقيه لا يكون فقيهًا إلَّا بذلك لا بكثرة حفظ الجزئيات والفروع الفقهية.
يقول ابن رشد (ت: ٥٩٥ هـ) - بصدد غرضه من تأليف كتابه "بداية المجتهد"-: "لكن لما كان قصدنا إنَّما هو ذكر المسائل التي هي منطوق بها في الشرع، أَوْ قريب من المنطوق بها ... فإنَّ هذا الكتاب إنَّما وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة رتبة الاجتهاد إذا حَصَّل ما يجب له أَنْ يحصل قبله من القدر الكافي له في علم النحو، واللغة، وصناعة أصول الفقه، ويكفي من ذلك ما هو مساوٍ لجرم هذا الكتاب أَوْ أقل، وبهذه الرتبة يسمى فقيهًا، لا بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد أقصى ما يمكن أَنْ يحفظه إنسان، كما نجد متفقهة زماننا يظنون أَنَّ الفقيه هو الذي حفظ مسائل أكثر، وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أَنَّ الخَفَّاف هو الَّذي عنده خِفَاف كثيرة، لا الَّذي يقدر على عملها، وهو بَيِّنٌ أَنَّ الَّذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقَدَمٍ لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه، فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة، وهو الَّذي يصنع لكل قَدَمٍ خُفًّا يوافقه، فهذا هو مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت"(١).
والقاضي والمفتي لا يخرج فرعًا على آخر إلَّا إذا كان ذا معرفة بقواعد مذهبه، ومواطن الإِجماع فيه وموجبات الافتراق؛ حتَّى