فائدة: كلمات لابن خلدون حول تقرير القاضي الحكمَ الفقهي للواقعة القضائية.
لقد ذكر ابن خلدون (ت: ٨٠٨ هـ) طريقة تقرير القاضي للحكم الفقهي للنازلة في عبارات مختصرة محررة أحببت ذكرها مستقلة، يقول: "إذا تصور - يعني القاضي - الواقعةَ كالشمس ليس دونها سحاب فليميز بين ما اتفقا عليه واختلفا فيه، فإذا وضحت القضية جيدًا فحينئذ يستحضر قول الله العلي:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٨] ... إذا تدبر ما أمره به الله - تعالى - فليستحضر حكم تلك الواقعة لا برأي واستحسان ... بل بالنقل الصريح، أَوْ بذل الجهد في درك الحق من أهل الاجتهاد وبطرقه المعتبرة ... وربما تركبت الواقعة من عدة أبواب فليفحص عن ذلك، وليميز لكل باب محله منها، ثم ينقح الواقعة بأخذ ما يتعين اعتباره وإلغاء ما لا مدخل له في الحكم بحذفٍ، إن اختل زلت قدم الحاكم؛ {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (١٠) نَارٌ حَامِيَةٌ (١١)} [القارعة: ٩، ١١]، ثم يطبق الحكم العدل على ما ينقح له، فإذا وضح له أَنه طبقه سواء كرر التأمل والتفحص حتَّى يتبين ذلك كالشمس المضيئة فحينئذ يحاول المصالحة بين الخصمين - ثم ذكر شيئًا من أحكام الصلح وموجباته - وقال: فإذا لم تبق مرية البتة استحضر قول الله - تعالى - لأعبد البشر داود - على نبينا وعليه الصلاة والسلام-: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ