وبهذا نفهم ما ذكره القرافي (ت: ٦٨٤ هـ) -وهو يتحدث عن بعض أقسام الأسباب-، فقد قال:"وما ليس فيه حكم شرعي البتة، كفعل النائم والساهي، والمخطئ، والمجنون، والبهيمة، وحركات الرياح، والسُّحُب، والسيول، ونحو ذلك، فإنَّ هذه الأفعال ليس لله فيها حكم، ولا تعلق بها خطاب يقتضي حكمًا البتة"(١).
فالمراد أَنَّ هذه الأشياء ليس لها حكم في نفسها، ففعل النائم، والساهي والمخطئ، والمجنونِ لا يوصف بوجوب، ولا حرمة، فهو غير آثم فيه، ولا مجازى عليه، وهكذا فعل البهيمة؛ لأَنَّها غير مكلفة، وحركات الرياح، والسحب، والسيول؛ لأَنَّها من فعل الله لا من فعل العبد، والأحكام كائنة على أفعال العباد، لكن لجميع هذه تَعَلُّقٌ بالوقائع الفقهية في جانب تأثيرها على الأحكام؛ فالنائم، والساهي، والمخطئ، والمجنون يضمنون ما أتلفوه من مال الغير، وفي التنزيل وجوب الدية وكفارة القتل على المخطئ قال -تعالى-: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}[النساء: ٩٢].