١ - قوله -تعالى-: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة: ٢٨٢]؛ فقد جعل الله الرضا بالشهادة قيدًا على قبولها، وتقدير الرضا بها يرجع لاجتهاد القاضي قبولًا وردًا؛ طبقًا للقواعد المقررة شرعًا، يقول ابن العربي (ت: ٥٤٣ هـ)"قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} دليل على تفويض القبول في الشهادة إلى الحاكم؛ لأَنَّ الرضا معنى يكون في النفس بما يظهر إليها من الأمارات عليه، ويقوم من الدلائل المبينة له، ولا يكون غير هذا، فإنَّا لو جعلناه لغيره لما وصل إليه إلَّا بالاجتهاد، واجتهاده أولى من اجتهاد غيره ... قال علماؤنا -يعني علماء المالكية-: هذا دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من المعاني والأحكام"(١).
٢ - قوله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)} [الحجرات: ٦] , فدَلَّت الآية على أَنَّ خبر الفاسق لا يرد مطلقًا، ولا يقبل مطلقًا، بل يُتَثَبَّتُ منه، فإن ظهر صدقه أخذ به، وإن ظهر كذبه وجب رده، ولا يتوصل إلى ذلك إلَّا بالاجتهاد والنظر في البينة من القاضي.
يقول ابن القَيِّمِ (ت: ٧٥١ هـ): "والله سبحانه لم يأمر برد خبر