الباب، وتموه عليه قولي. فحين خرجت أقبلت أعدو أطلب باب الدار، ورأى السمكة معي، فقصدني وعلم أني قد عرفت حيلته فأقبل يعدو خلفي فلحقني، فضربت بالسمكة صدره ووجهه، وقلت له: أتعبتني حتى مضيت إلى البحر، فاستخرجت لك هذه منه! قال: واشتغل بصدره وبعينه وما لحقهما من السمكة وخرجت. فلما صرت خارج الدار طرحت نفسي مستلقيا لما لحقني من الجزع والفزع. فخرج إليّ وضاحكني وقال: ادخل. فقلت: هيهات والله لئن دخلت لا تركتني أخرج أبدا.
فقال: اسمع، والله لئن شئت قتلك على فراشك لأفعلن، ولئن سمعت بهذه الحكاية لأقتلنك، ولو كنت في تخوم الأرض وما دام خبرها مستورا فأنت آمن على نفسك، امض الآن حيث شئت. وتركني ودخل فعلمت أنه يقدر على ذلك بأن يدس أحد من يطيعه، ويعتقد فيه ما يعتقده فيقتلني، فما حكيت الحكاية إلى أن قتل.
أخبرنا عليّ بن أبي علي عن ابن الحسن أحمد بن يوسف الأزرق أن الحسين بن منصور الحلاج لما قدم بغداد يدعو، استغوى كثيرا من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله من طريقهم، فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه، وكان أبو سهل من بينهم مثقفا فهما فطنا، فقال أبو سهل لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها قد تأتي فيها الحيل، ولكن أنا رجل غزل ولا لذة لي أكبر من النساء وخلوتي بهن، وأنا مبتلي بالصلعحتى إني أطول قحفي وآخذ به إلى جبيني وأشده بالعمامة واحتال فيه بحيل، ومبتلي بالخضاب لستر المشيب، فإن جعل لي شعرا ورد لحيتي سوداء بلا خضاب آمنت بما يدعوني إليه كائنا ما كان، إن شاء قلت إنه باب الإمام، وإن شاء الإمام، وإن شاء قلت إنه النبي، وإن شاء قلت إنه الله! قال: فلما سمع الحلاج جوابه أيس منه، وكف عنه. قال أبو الحسن: وكان الحلاج يدعو كل قوم إلى شيء من هذه الأشياء التي ذكرها أبو سهل على حسب ما يستبله طائفة طائفة. وأخبرني جماعة من أصحابنا أنه لما افتتن الناس بالأهواز وكورها بالحلاج وما يخرجه لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها، والدراهم التي سماها دراهم القدرة حدّث أبو عليّ الجبائي بذلك، فقال لهم: هذه الأشياء محفوظة في منازل يمكن الحيل فيها، ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم لا من منزله هو، وكلفوه أن يخرج منه جرزتين شوكا فإن فعل فصدقوه، فبلغ الحلاج قوله وأن قوما قد عملوا على ذلك فخرج عن الأهواز.
حدّثني مسعود بن ناصر، أنبأنا أبو عبد الله بن باكوا الشّيرازيّ قال: سمعت أبا عبد الله بن حفيف- وقد سأله أبو الحسن بن أبي توبة عن الحسين بن منصور- فقال: