عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة للفاتحة والبسملة تناولا واحدا، ولقال:
" فأسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة "، والصلاة كانت جهرية بدليل تأمينه،
وتأمين المأمومين. قلنا: ليس الجهر فيه بصريح ولا ظاهر يوجب الحجة،
ومثل هذا لا يقدم على النص الصريح المقتضي للإسرار، ولو أخذ الجهر
من هذا الإطلاق لأخذ منه أنها ليست من أم القرآن، فإنه قال: " فقرأ
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثم قرأ أم القرآن"، والعطف يقتضي المغايرة.
الوجه الثاني: أن قوله:" فقرأ " أو" قال " ليس بصريح أنه سمعها
منه إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيما بأنه قرأها سرا، ويجوز أن
يكون سمعها منه في مخافتته لقربه منه، كما روي عنه من أنواع الاستفتاح
وألفاظ الذكر في: قيامه، وقعوده، وركوعه، وسجوده، ولم يكن
ذلك منه دليلاً على الجهر.
الوجه الثالث: أن التشبيه لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه، بل
يكفي في غالب الأفعال، وذلك متحقق في التكبير وغيره دون البسملة،
فإن التكبير وغيره / من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة، وكان [١/٢٦٢-ب] مقصوده الرد على من تركه، وأما التسمية ففي صحتها عنه نظر فينصرف
إلى الصحيح الثابت دون غيره، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه من كل
وجه أن يقولوا بالجهر بالتعوذ، لأن الشافعي روى: أخبرنا ابن محمد الأسلمي، عن ربيعة بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح، أنه سمع
أبا هريرة:" وهو يؤم الناس، رافعا صوته في المكتوبة، إذا فرخ من
أم القرآن: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم".
فهلا أخذوا بهذا كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في "الصحيحين"
عنه " فما أسمعنا- عليه السلام- أسمعناكم وما أخفانا أخفيناكم" (١) ،
وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة وهو الراوي عن
النبي- عليه السلام- قال: يقول الله تعالى:" قسمت الصلاة بيني وبين
(١) يأتي برقم (٧٧٤) ، وعندهم: " وما أخفى علينا أخفينا عليكم ".