صفات المنافقين، كما ورد في الحديث المشهور، فلولا هذا الدين عليه لما
ارتكب هذا الإثم العظيم، ولما اتصف بصفات المنافقين
وكلمة " ما" في قوله: " ما أكثر ما تستعيذُ" للتعجب، و " ما "
الثانية: مصدرية، يعني: ما أكثر استعاذتك من المغرم.
فإن قيل: قوله: "فتنة المحيا والممات " يشمل جميع ما ذكر فلأي فائدة
خصص هذه الأشياء بالذكر؟ قلت: لعظم شأنها، وكثرة شرها. ولا
شك/ أن تخصيص معنى ما يشمله الَعام من باب الاعتناء بأمره لشدة [٢/١٨- أ] حكمه، وفي هذا الكلام عطف العام على الخاص أيضا، وذلك لفخامة
أمر المعطوف عليه، وعظمة شأنه، فافهم.
فإن قيل: ما فائدة تعوذه- عليه السلام- من فتنة المسيح الدجال، مع
علمه- عليه السلام- بأنه متأخر عن ذلك الزمان بكثير؟ قلت: فائدته
أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة، بأنه
كذاب مبطل مفترى، ساع على وجه الأرض بالفساد، مموه ساحر،
حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه- عليه اللعنة- ويتحققوا
أمره، ويعرفوا أن جميع دعاويه باطلة، كما أخبر به رسول الله- عليه السلام-، ويجوز أن يكون هذا تعليمَا منه لأمته، أو تعوذاً منه لأمته.
فإن قيل: يُعارض التعوذ بالله عن المغرم ما رواه جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن عبد الله بن جعفر يرفعه: "إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه،
ما لم يكن فيما يكره الله عز وجل " وكان ابن جعفر يقول لخادمه: فاذهب
فخذ لي بدينِ فإني أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي"، قال الطبري:
"وكلا الحديثين صحيح ". قلنا: الغرم الذي استعاذ منه، إما أن يكون
في مباح ولكن لا وجه عنده لقضائه، فهو متعرض لهلاك مال أخيه، أو
يستدين وله إلى القضاء سبيل غير أنه يَرى ترك القضاء. وهذا لا يصح إلا
إذا نُزعت كلامه- عليه السلام- على التعليم لأمته، أو يستدين من غير
حاجة طمعا في مال أخيه ونحو ذلك، وحديث جعفر "فيمن كان محتاجا
إليه احتياجا شرعيا، فيستدين ونيته القضاء. وإن لم يكن له سبيل إلى