النوويُ (١) : وفيه دليل على أن من حلف لا يتكلم فسبح أو كبر أو قرأ القراَن لا يحنث؛ وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا، وفيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصلاة وجزء منها. وقال أبو حنيفة: ليست منها؛ بل هو شرط خارج عنها، متقدم عليها.
قلت: عدم الحنث في المسألة المذكورة مَبني على العُرْف فلا يحتاج إلى الاستدلال بهذا، وقوله:" وفيه دلالة لمذهب الشافعي " إلى آخره غير مسلم؛ لأن قوله:"والتكبير" يتناولُ سائر التكبيرات- كما ذكرناه- ولا يفهم منه فرضية تكبيرة بعينها، ولا سُنية تكبيرة بعينها؛ بل يتناول ذا وذا، ومن أن الدليل الواضح على مُدعَاه، ليتَ شعري! كيف يَذكرون أشياء غير جلية ويجعلونها حجةً لإمامهم على غيره، ويتركون الشيء الواضح الجلي الذًي هو حجة عليهم؟ فإن قوله- عليه السلام-:" وقراءة القرآن" نص صريح على أن الفرض في الصلاة مطلق القراءة، وهو يُنافي فرضية فاتحة الكتاب؛ إذ لو كانت فرضا لقال: وقراءة الفاتحة، وليس لهم أن يقولوا؛ المراد به: فاتحة الكتاب؛ لأنه تخصيص بلا مخصص؛ وهو باطل؛ وليْس فيه إجمال حتى يكون قوله- عليه السلام-: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " بيانا له. ثم في هذا الحديث: النهي عن تشميت العاطس في الصلاة، وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتَفْسد به. وقال صاحب " الهداية ": ومن عطسَ فقال له آخرُ: يرحمك الله وهو في الصلاة فسدت صلاته؛ لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم، بخلاف ما إذا قال العاطسُ أو السامعُ: الحمد لله- على ما قالوا-؛ لأنه لم يُتعارف جوابا.
قلت: قوله: لا على ما قالوا، إشارة إلى خلاف فيه رُوي عن أبي حنيفة أن العاطس إذا حمد الله في نفسه، ولم يحرك لسانه لا تَفسد