للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو من التعظيم بمعنى: جعل هذا الف [ـعل عظيما] (١) وذلك إشارة إلى ما أخبره في فعله بالجارية شفقةَ منه عليها.

قوله: " فقالَ: أين اللهُ " أي: فقال النبي- عليه السلام- سائلاَ عنها: أين الله؟ إنما أراد- عليه السلام- أن يَتطلبَ دليلاَ على أنها مُوحدة، فخاطبَها بما يفهم قصدها؛ إذ من علامات الموحدين: التوجهُ إلى السماء عند الدعاء وطلب الحوائج؛ لأن العرب التي تعبدُ الأصنامَ تطلب حوائجها من الأصنام، والعجم من النيران، فأرادَ- عليه السلام- الكشفَ عن مُعتقدها هل هي من جملة من آمن؟ فأشارت إلى السماء، وهي الجهة المقصودة عند الموحدين. وقيل: إنما وَجْهُ السؤالِ بـ " أين " هاهنا سُؤال عما يَعتقدُه من جلال الباري، وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلالته تعالى في نفسها، والسماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين، فكما لم يَدل استقبالُ الكعبة على أن الله جلت قدرته فيها، لم يدل التوجه إلى السماء والإشارة على أن الله عَزَّ وجَلَّ فيها (٢) .

قوله: "اعتقها" إنما أمر بعتقها لأنه ضربها من غير ذنب، وكان عتقها كفارةً لذلك الذنب، وفيه: دليل على أن إعتاق المؤمن أفضل من إعتاق الكافر.

قوله: " فإنها مؤمنه " الفاء فيه للتعليل؟ فكان إيمانها بالله وبرسوله هو الذي حبب عتقها، ثم إن النبي- عليه السلام- حكم بإيمانها بالإقرار بالله وبرسالته، وهكذا هو الحكم في كل كافر لا يَعتقدُ دينا باطلاً، ولا يَعْرف إلا الله تعالى، فإنه متى أقر بالله وبرسالة نبيه- عليه السلام- جزما يَصيرُ مؤمنا، ويكون من أهل القِبْلة والجنة، ولا يكلف على إقامة الدليل والبرهان، وأما الكافر الذي يَعْتقدُ دينا من الأديان الباطلة، أو


(١) غير واضح في الإلحاق.
(٢) بل أن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله في السماء، مستو على عرشه، محيط بكل شيء وفوقه، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، وانظر:
" مختصر العلو".

<<  <  ج: ص:  >  >>