للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسبْت مادامت السمواتُ والأرض " فادعوا نقله تواترا، ويدعون النقل عن موسى- عليه السلام- أنه قال: "لا نسخ لشريعته". وعند بعضهم باطل عقلا. وقد نقل إنكارُه عن أبي مسلم الأصفهاني من المسلمين، قال فخر الإسلام: "إنكار النسخ مع عقد الإسلام لا يتصورُ". قلنا: أما جوازه عقلا؛ فلأنه ليْس إلا بيان مدة الحكم المُطلق التي هي غيْب عنا، ومعلوم عند الله بأنها مُؤقتة إلى وقت كذا، والأحكام ضرعت لمصالح العباد، وتتبدلُ باختلاف الزمان. وأما وقوعه شرعا: فلا شك أن نكاح الأخوات كان مشروعاً في شريعة آدم- عليه السلام-، وبه حصل التناسل وهذا لا ينكره أحد، ثم نسخ ذلك في شريعة غيره، وكذلك العمل في السبت كان مباحا قبل شريعة موسى- عليه السلام-، ثم نُسخ بعدها بشريعته- عليه السلام-، وبه خرج الجواب عما ذكره اليهود عليهم اللعنة.

الثانية: جواز نسخ الكتاب بالسنة وعكْسه؛ وذلك لأنه- عليه السلام- كان يتوجهُ إلى الكَعْبة في الصلاة حين كان بمكة، وبعد الهجرة توجه إلى المدينة- كما ذكرنا- وعلم بالتحقيق أن التوجه إلى بيت المقدس كان بالسنة؛ لأنه ليس بمتلو في القرآن، فإن كان التوجه إلى الكعبة أولا بالكتاب، فقد نسخ بالسنة المُوجبة إلى التوجه إلى بيت المقدس، فدل على جواز نسخ الكتاب بالسنة، وأن كان بالسنة فلا شك أن التوجه الثابت إلى القدْس نسخ بالكتاب وهو قوله: "فَول وَجْهَكَ شَطرَ المسجِدِ الحَرَام" (١) فدل على جواز نسخ السنة بالكتاب وقال الشيخ محيي الدين (٢) : واختلف أصحابنا وغيرهم أن استقبال بيت المقدس كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي- عليه السلام-؟ فحكى للماوردي في "الحاوي" وجهين في ذلك لأصحابنا، قال القاضي: الذي ذهب إليه كثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال: إن القرآن ينسخ السنةَ، وهو قول كثر الأصولية، وهو أحد قولي الشافعي،


(١) سورة البقرة: (١٤٤) .
(٢) شرح صحيح مسلم (٩/٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>