كل قرية فيها مسجد أو سوق فالجمعة واجبة على أهلها، ولا تجب على أهل العمود وإن كثروا؛ لأنهم في حكم المسافرين. وقال الشافعي، وأحمد: كل قرية فيها أربعون رجلاً أحراراً بالغين عقلاء مقيمين بها، لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة، فالجمعة واجبة عليهم، وسواء كان البناء من حجر أو خشب أو طين أو قصب أو غيرها، بشرط أن تكون الأبنية مجتمعة، فإن كانت متفرقة لم تصح، وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفاً لم تصح الجمعة بلا خلاف، وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفاً وهي مجتمعة بعضها إلى بعض، ففيه قولان أصحهما: لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم؛ وبه قال مالك، والثاني: تجب عليهم وتصح منهم؛ وبه قال أحمد، وداود. ومذهب أبي حنيفة: لا تصح الجمعة إلا في مِصرٍ جامع، أو في مصلى المصر، ولا تجوز في القرى، وتجوز في منَى إذا كان الأمير أمير الحاج، أَو كان الخليفة مسافراً. وقال محمد: لَا جمعة بمنَى، ولا تصح بعرفات في قولهم جميعاً وقال أبو بكر الرازي في كتاَبه" الأحكام ": اتفق فقهاء الأمْصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره؛ لأنهم مجتمعون على أنها لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب. وذكر ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يرى على أهل المناهل والمياه أنهم يجمعون.
ثم اختلف أصحابنا في المصر الذي تجوز فيه الجمعة؛ فعن أبي يوسف: هو كل موضع يكون فيه كل محترف، ويوجد فيه جميع ما يحتاج الناس إليه في معايشهم عادةً، وبه قاضٍ يقيم الحدود. وقيل: إذا بلغ سكانه عشرة آلاف، وقيل: عشرة آلاف مقاتل، وقيل: بحيث أن لو قصدهم عدو لأمكنهم دفعُه، وقيل: كل موضع فيه منبر وقاضٍ يقيم الحدود، وقيل: أن لو اجتمعوا إلى أكبر مساجدهم لم يَسعهم، وقيل: أن يكون [٢/ ٧٦ -ب] بحال يَعيش/ فيها كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يشتغل بحرفة أخرى. وعن محمد: كل موضع مَضره الإمامً فهو مصر، حتى إنه لو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص يَصير مصرا، فإذا عزله