للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "أما هذا فقد قضى ما عليه " أي: ما عليه من الواجب من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأن قدرته كانت هذا المقدار، وقول أبي سعيد هذا بمحضر من الصحابة، والجمع العظيم دليل على استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعله مروان، ويثبته أيضا احتجاجه بقوله: "سمعت رسول الله- عليه السلام- يقول" الحديث. وفي هذا دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان، وأن ما حُكي عن عمر وعثمان ومعاوية لا يصح.

فإن قيل: كيف تأخر أبو سعيد عن إنكار هذا المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل؟ قلنا: يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضراً أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة، فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد وهُمَا في الكلام. ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضراً من الأول لكن خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب إنكاره، فسقط عنه الإنكار، ولم يخف ذلك الرجل شيئاً لاعتضاده بظهور عشيرته أو غير ذلك، أو أنه ما خاف وخاطر بنفسه، وذلك جائز في مثل هذا، بل مستحب، ويحتمل أن أبا سعيد هَم بالإنكار فبدره الرجل فعضده أبو سعيد، ثم إنه جاء في الحديث الآخر الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في "باب صلاة العيد " أن أبا سعيد هو الذي جبذ بيد مروان حين راَه يصعد المنبر، وكانا جاءا معاً، فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل، فيحتمل أنهما قضيتان: إحديهما لأبي سعيد، والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد، والله أعلم. وقوله: "فقد قضى [ما] ، عليه" تصريح بالإنكار أيضا من أبي سعيد. قوله: " فليغيره بيده " هذا أمر إيجاب بإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يعتد بخلافهم، فإن قيل: قال الله تعالى: "عَلَيكُمْ أنفُسكُمْ لا يَضُركم مَّا ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " (١) قلنا: هذا لا


(١) سورة المائدة: (١٠٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>