أحمد بن حنبل، عن ابن علية، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام، عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد وذكر عنده صدقة الفطر فقال: لا أخرج إلا ما كنتُ أخْرجُه في عهد رسول الله- عليه السلام- صاعا من تمرِ، أو صاعا من حنطة، أو صاعا من شعيرِ، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح، فَقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقْبلها ولا أعملُ بها. انتهى. وصححه، ورواه الدارقطني في "سننه"(١) من حديث يعقوب الدورقي، عن ابن علية، به سندا ومتنا. ومن الشافعيّة من جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن معاوية جعل نصف صاع من الحنطة عدل صاع من التمر والزبيب. وقال الشيخ محيي الدين: هذا الحديث معتمد أبي حنيفة، ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي، وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي- عليه السلام-، وقد أخبر معاوية بأنه رأيي رآه لا قول سمِعَه من النبي- عليه السلام-.
قلنا: أما قولهم: إن الطعام في العُرْف: هو البر، فممنوع؛ بل الطعام يُطلقُ على كل مأكول، وهنا أريد به أشياء ليست الحنطة منها، والدليل على ذلك: أن قوله: "صاعا من أقط" بدل من قوله: "صاعا من طعام" أو بيان عنه وما بعده عطف عليه، ولو كان المراد من قوله:"صاعا" من طعامه هو البر لقالَ: "أو صاعا من أقطِ" بحَرف (أو) الفاصلة بين الشيئين.
فإن قيل: قد روى غير. أبي داود بحَرْف " أو" من أوله إلى آخره: "صاعا من طعام، أو صاعا من أقط" إلى آخره. قلت: كفى لنا حجة رواية أبي داود مع صحة الحديث بلا خلاف، ومما يؤيد ما ذكرنا: ما جاء فيه عند البخاري، عن أبي سعيد قال: كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام. قال أبو سعيد: وكان طعامنا: الشعير