قوله: " ورأسه يقطر " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" جاء ".
وقوله: " فصلى بهم " أي: صلي بهم صلاة مبتدأة بتكبير جديد، وكذا
قال ابن حبان في " صحيحه ": أراد بتكبير محدث لا أنه صلى بالشروع
الذي قبله كما زعمه البعض، فإن هذا زعم فاسد لما ذكرنا أنه صرح في
رواية مسلم: " قبل أن يكبر "، ولأن خلو مكان الإمام لا يجوز، وتفسد
به صلاة الإمام والقوم كما عرف في الفقه.
فإن قيل: قد صرح أبو داود في رواية أخرى: " وكبر "، فهذا يدل
على أنه شرع في الصلاة وكبر، ثم ذهب واغتسل. قلت: هذا لا يدل
على أنه صلى بهم بهذه التكبيرة، والظاهر أنه صلى بهم بتحريمة مبتدأة لما
ذكرنا، على أن هذه الرواية مرسلة على ما نذكره. وقال الخطابي: " فيه
دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن
صلاتهم ماضية، ولا إعادة عليهم، وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن
الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه، ثم استوقفهم
إلى أن اغتسل وجاء، فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى
يجوز البناء عليه، جاز سائر أجزائها، وهو قول عمر بن الخطاب، ولا
يعلم له مخالف من الصحابة في ذلك، وإليه ذهب الشافعي.
قلت: يُرد هذا بما أجبنا الآن عن السؤال المذكور. وقوله: " وإذا
صح جزء من الصلاة " إلى آخره، لا نسلم أن هذا الجزء وقع صحيحاً؛
لأن بمجرد ذهابه- عليه السلام- بطل حكم ذلك الشروع، على تقدير
صحة وجود الشروع؛ لأنه ذهب بلا استخلاف، وخلّى مكانه، وذا مما
يفسد الشروع، فإذا فسد ذلك الجزء يصير البناء عليه فاسداً/؛ لأن البناء
على الفاسد فاسد، والصلاة لا تتحرى صحة وفساداً، بل الحق أنه- عليه
السلام- صلى بهم بتحريمة مبتدأة كما ذكرنا، فإذن لم يبق لدعواه
حجة، وقوله: " وهو قول عمر، ولا يعلم له مخالف من الصحابة "
غير صحيح؛ لأن الدارقطني أخرج في " سننه " عن عمرو بن خالد،