وكان الأوزاعي يستعمل هذا الحديث على ظاهره وقال: يُجزئه أن يمسح
القذر من نعله أو خفه بالتراب ويصلي فيه. وروى مثله عن عروة بن
الزبير. وكان النخعي يَمسح النعل والخف يكون فيه السرقين عند باب
المسجد ويصلي بالقوم. وقال أبو ثور في الخف والنعل إذا مسحهما
بالأرض حتى لا يجد له ريحاً ولا أثراَ: رجوتُ أن يُجزئه. وقال
الشافعي: لا تطهر النجاسات إلا بالماء سواء كانت في ثوب أو حذاءٍ.
وبه قال مالك وأحمد وزفر؛ والحديث حجة عليهم. قال المُنذريّ: فيه
مَجهول
قلت: قد تأيد بما رواه أبو داود- أيضاً- في الصلاة في حديث طويل
وفيه: " إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نَعليه قذراَ أو أذًى
فليمسحه وليصل فيهما ". ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وعبد بن
حميد، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم بنحو
أبي داود- وسنتكلم فيه إن شاء الله تعالى. وبإطلاق الأحاديث أخذ
أبو يوسف حتى يطهر الخف أو النعل عنده بالمسح سواء كان النجس رطباً
أو يابساً ٠ وقال أبو حنيفة: المراد بالأذى: النجاسة العَينية اليابسة؛ لأن
الرطبة تزداد بالمسح بالأرض انتشاراً وتلوثاً.
فإن قيل: الحديث مطلق فَلِمَ قيده أبو حنيفة بقوله: " النجاسة العَينيّة "
أي: التي لها جرم؟ قلت: التي لا جرم لها خرجت بالتعليل وهو
قوله: " فإن التراب طهور " أي: يُزيل نجاسته، ونحن نعلم يقيناً أن النعل
أو الخف إذا تشرّب البول أو الخمر لا يُزيله المَسحُ ولا يخرجه من أجزاء
الجلد، فكان إطلاق الحديث مصروفاً إلى الأذى الذي يقبل الإزالة
بالمسح، حتى إن البول أو الخمر لو استجسد بالرمل أو التراب فجف فإنه
يطهر- أيضاً- بالمسح؛ على ما قال شمس الأئمة، وهو الصحيح؛ فلا
فرق بين أن يكون جرم النجاسة منها أو من غيرها؛ هكذا ذكر الفقيه