وإطعامها الفقراء والمحابيس، وكذا ولي في الأيام الناصرية عدة تداريس،
ووظائف دينية، كتدريس الفقه بالمحمودية، ونظر الأحباس، ثم انفصل عنها،
وأعيد إليها في أيام المؤيد، وقرره في تدريس الحديث في المؤيدية أول ما فتحت،
ولما استقر الظاهر ططر زاد في إكرامه لسبق صحبته معه، بل نزايد اختصاصه بعدُ
بالأشراف حتى كان يسامره، ويقرأ له التاريخ الذي جمعه باللغة العربية، ثم
يفسره له بالتركية، لتقدمه في اللغتين، ويعلمه أمور الدين، وعرض عليه النظر
على أوقاف الأشراف فأبى، ولم يزل يترقى عنده إلى أن عينه لقضاء الحنفية،
وولاه إياها مسؤولاً على حين غفلة في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة،
ومات الأشراف وهو قاض، ثم صُرف بالسعد بن الديري سنة اثنتين وأربعين
وثمانمائة، ولزم بيته مقبلاً على الجمع والتصنيف، مستمراً على تدريس الحديث
بالمؤيدية ونظر الأحباس حتى مات، غير أنه عزل عن الأحباس بالعلاء بن أقبرس
سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ولم يجتمع القضاء والحسبة ونظر الأحباس في آن
واحد لأحد قبله ظنا.
" مكانته العلمية:
كان- رحمه الله- إماماً عالماً، علامة، فقيهاً، أصوليا، مفسراً، محدثاً،
مؤرخاً، لغويا، نحويا، عارفاً بالصرف والعربية، حافظاً للتاريخ واللغة،
مشاركاً في الفنون، ذا نظم ونثر، لا يمل من المطالعة والكتابة، وكان كثير
التصنيف، وقد قيل: إنه كتب الحاوي في ليلة، وكذا " القدوري " في ليلة،
اشتهر اسمه، وبعُد صيتُه مع لطف العشرة والتواضع، وعمر مدرسة مجاورة
لسكنه بالقرب من جامع الأزهر، وكان يصرح بكراهة الصلاة في جامع الأزهر
لكون واقفه رافضيا.
" عقيدته:
كان- رحمه الله- على عقيدة السلف الصالح إلا في باب الأسماء
والصفات، ويبدو أنه تأثر- كغيره- بأهل عصره ومشايخه، حيث كانوا يؤولون
الأسماء والصفات، وكانوا ينتهجون في ذلك منهج الأشاعرة القديم، الذي
نشره في مصر والشام الآمدي (المتوفى ٦٣١ هـ) ، والأرموي (المتوفى ٦٨٢ هـ)