قوله: " فإنكم " " الفاء " فيه للتعليل.
قوله: " بها " أي: بصلاة العتمة.
فإن قيل: كيف يكون تفضيلهم بهذه الصلاة على سائر الأمم علةَ
للإعتام؟ قلتُ: لأن سائر الأمم لم يُعتموا؛ لأن قوله: " ولم يُصَفها أمة
قبلكم " يحتملُ مَعنيين؛ الأول: أنهم لم يُصلوا العتمة أصلا؛ وهو
الظاهر، والثاني: أنهم لم يُعتموا بها وإن كانوا صلوها، فيكون تفضيل
هذه الأمة على غيرهم، إما بمعنى أن غيرهم لم يُصلوها أصلا، أو بمعنى
أنهم أعتموا وغيرهم لم يُعتموا؛ والقَرينة تُرجح المعنى الثاني،. وأن
تَفضِيلهم على غيرهم بالإعتامَ، وأن الإعتامَ أفضلُ من التقديم.
فإن قيل: قد نهى عن إطلاق اسم العتمة على العشاء، كما في
" صحيح مسلم ": " لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء؛ فإنها في
كتاب الله: العشاء؛ وإنها تعتم بحلاب الإبل " معناه: أن الأعراب
يسمونها العتمة؛ لكونهم يعتمون بحلاب الإبل. أي: يؤخرونه إلى شدة
الظلام؛ وإنما اسمُها في كتاب الله: العشاء، في قوله تعالى: (وَمن
بَعد صَلاة العشَاء) (١) . فينبغي لكم أن تسموها العشاء. قلت: قَد
جاءَ في الَأحاَديثَ الصحيحة تمسيتها بالعتمة؛ كحديث: " لو يَعلمون ما
في الصبح والعتمة لأتوها ولو حَبوا " وغير ذلك.
وأما النهي: فهو للتنزيه؛ لا للتحريم، ويمكن أن يكون استعمالها
- أيضا- لمن لا يَعرف العشاء، فيُخاطب بما يعرفه، أو لأنها أشهر عند
العرب من العشاء.
٤٠٦- ص- نا مسدد: نا بشرُ بن المُفضّل: ثنا داود بن أبي هند، عن
أبي نَضرة، عن أبي سَعيد الخدَريّ قال: صَلَّينَا مع رسول الله صَلاةَ العَتمَة
فلم يخرج حتى مَضى نحوٌ من شَطر الليلِ فقال: " خُذُوا مَقاعَدَكُم " فأخذناَ
مَقَاعِدَنَا، فقال: " إن الناس قد صلُوا وأخذُوا مضاجِعَهُم، وإَنكم لن تَزَالُوا
(١) سورة النور: (٥٨) .