ثم اختلف أصحابنا في قدر الوقت الذي تباح فيه الصلاة بعد الطلوع.
قال في الأصل: حتى ترتفع قدر رمح أو رمحن. وقال أبو بكر محمد
ابن الفضل: مادام الإنسان يقدر على النظر إلى قرص الشمس، فالشمس
في الطلوع لا تباح فيه الصلاة، فإذا عجز عن النظر تباح. وقال
الفقيه أبو حَفص السَّفكَردري: يؤتى بطست ويوضع في أرض مستوية فما
دامت الشمس تقع في حيطانه، فهي في الًطلوع فلا تحل الصلاة، وإذا
وقعت في وَسطه فقد طلعت وحكت الصلاة.
قوله: " فأقام لهم الصلاة " فيه دليل على أن الفائتة يقام لها، وليس لها
أذان. وفي حديث أبي قتادة بعده إثبات الأذان للفائتة.
فإن قيل: كيف ترك الأذان في هذا الحديث؟ قلنا: لا يلزم من ترك
ذكره أنه لم يؤذن، فلعله أدّن وأهمله الراوي/أو لم يعلم به. وجواب
آخر: يجوز أن يكون تركه في هذه المرة لبيان جواز تركه، وإشارةَ إلى أنه
ليس بواجب محتم، ولا سيما في السفر.
قوله: " وصلى لهم الصبح " فيه: استحباب الجماعة في الفائتة.
قوله: " فليصلها إذا ذكرها " فيه دليل على وجوب قضاء الفائتة سواء
تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر.
فإن قيل: الحديث مقيد بالنسيان؟ قلت: لخروجه على سَبَب؛ ولأنه
إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب: وهو من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى. وقال الشيخ محيي الدين (١) : " وأما قوله- عليه
السلام- " فليصلها إذا ذكرها " فمحمول على الاستحباب؛ فإنه يجوز
تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح وقد بيّناه. وقد قال بعض أهل
الظاهر: إن الفائتة بغير عذر لا يجب قضاؤها؛ وهذا باطل ". وقال
الشيخ محيى الدين- أيضا- " وفيه دليل لقضاء السنن الراتبة ".
قلت: لا دليل فيه على ذلك؛ لأن قوله: " من نسي صلاةً " صلاة
الفرض بدلالة القرينة.
(١) شرح صحيح مسلم (٥/١٨٣) .