للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: " تشغلنا " صفة للأمور.

قوله: " ولكن أرواحنا " بسكون النون، وضم الحاء؛ وهي كلمة

استدراك، وهو أن يُنسب لما بعدها حكم مُخالف لحكم ما قبلها،

والمُشدّدة تنصب الاسم وترفع الخبر، والمخففة لا تعمل شيئاًَ؛ بل هي

حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك. والأرواح: جمع رُوح؛ وهو يُذكر

ويؤنث؛ وهو جوهر لطيف نُوراني يكدرهُ الغذاء والأشياء الردية الدنية،

مُدرك للجزئيات والكليات، حاصل في البدن، متصرفٌ فيه، غني عن

الاغتذاء، بريء عن التحلل والنماء؛ ولهذا يبقى بعد فنَاء البدن؛ إذ

ليست له حاجة إلى البدن، ومثل هذا الجوهر لا يكون من عالم العُنصر؛

بل من عالم الملكوت؛ فمن شأنه أن لا يضره خللُ البدن، ويلتذ بما

يلائمُه، ويتألم بما يُنافيه؛ والدليل على ذلك: قوله تعالى: (وَلا

تَحسَبَنَ الَّذينَ قُتلُوا فِي سَبيلِ الله أموَاتًا بَل أحيَاء) الآية (١) ، وقوله- عليه

السلام-َ: " إَذا وُضع اَلميت عَلى نعشه رفرف روحه فوق نعشه ويقول:

يا أهلي ويا ولدي ".

فإن قيل: كيف تفسر الروح وقد قال تعالى: (قُلِ الرُوحُ مِن أمرِ

رَبي) (٢) ؟ قلت: مَعناه في الإبداعات الكائنة بكُن من غير مادة:،

وتولد من أصلٍ، على أن السؤال كان من قدمه وحدوثه، وليس فيه ما

ينافي جواز تفسيره. وأيضاً: إن أمر الروح كان مُبهما في التوراة فقالت

اليهود: نسأله عن أصحاب الكهف (٣) وعن ذي القرنين وعن الروح،

فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبيّ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن

بعض فهو نبيّ؛ فبَيّن لهم القِصتين، وأبهم الرُوحَ حتى لا يطعنوا في

نُبوّته، وأشار تعالى بقوله: (وَمَا أوتِيتُم مّنَ العلم إلاَّ قَليلاً) (٤) إلى أن

الروح لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تمَيّزُه عمَا يَلَتبسُ، فلذلك اقتصر


(١) سورة آل عمران: (١٦٩) .
(٢) سورة الإسراء: (٨٥) .
(٣) في الأصل: " الكفهف ".
(٤) سورة الإسراء: (٨٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>