قوله: " وملأُ بني النجار حوله " جملة اسمية وقعت حالا- أيضا-؛
المَلأُ: أشراف القوم ورؤساؤهم؛ سموا بذلك لأنهم مَلأ بالرأي والغنى؛
والمَلأ: الجماعة، والجمع: أملاء. قال ابن سيده: وليس الملأ من باب
رَهط وإن كانا اسمَين؛ لأن رهطا لا واحد له من لفظه، والملأ: رجل
مالئ جليلٌ يملأ العَين بجَهَرته، فهو كالعَزب والزوج، وحكى مَلأته على
الأمر أملؤه ومالأته، وكذلك الملأ إنما هم الشارَة، والتجمع: الإمارة،
ففارق باب رهط لذلك فالملا على هذا صفة غالبة وما كان هذا الأمر عن
ملإ منا أي: عن تشاورِ واجتماع؛ وفي الجامع: الملأ: الجماعة الكثيرة،
وقيل: هم الأشراف- كما ذكرنا.
قوله: " حتى ألقى بفناء أبي أيوب " يقال: ألقيت الشيء إذا طرحتَه،
ومفعول " ألقى " هاهنا محذوف تقديره: ألقى راحلته في فناء أبي أيوب.
والفناء- بكسر الفاء- سَعَة أمام الدار، والجمع: أفنية، وفي " المجمل ":
فناء الدار: ما امتد من جوانبها.
وأبو أيوب: اسمُه: خالد بن زيد الأنصاري، وقد ذكرناه مرة. وذكر
محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب " المبتدأ وقصص الأنبياء- عليهم
السلام- " أن تبعا- وهو ابن حَسّان- لما قدم مكة- شرفها الله تعالى-
قبل مولد النبي- عليه السلام- بألف عامِ، وخرج منها إلى يثرب،
وكان معه أربع مائة رجل من الحكماء، فاجتمعوا وتعاقدوا على أن لا
يخرجوا منها، فسألهم تُبَّعٌ عن سر ذلك، فقالوا: إنا نجد في كتبنا أن
نبيا اسمه محمدٌ هذه دار مُهاجره، فنحن نُقيم لعلّ أن نلقاه، فأراد تُبَعٌ
الإقامة معهم، ثم بنى لكل واحد من أولئك دارا، واشترى له جاريةَ
وزوجها منه، وأعطاهم مالا جزيلا، وكتب كتابا فيه إسلامه وقوله:
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله بارئ النسم
في أبيات وختمه بالذهب، ودفعه إلى كبيرهم، وسأله أن يدفع إلى
محمد- عليه السلام- إن أدركه، وإلا من أدركه من ولده، وبنى للنبي
- عليه السلام- دارَا يَنزلها إذا قدم المدينة، فتداول الدارَ الملاكُ إلى أن