قلت: هذا استدلال ضعيف؛ لأن المعنى: لا تتخذوها خالية عن
العبادات كالمقابر؛ لا أن المعنى أن المقابر لا تجوز فيها الصلاة.
قوله: " فإنها ملعونة " أي: فإن أرض بابل ملعونة بمعنى: أن أهلها
كانت ملعونة، ولهذا خسف بهم، والأرض لا توصف باللعنة؛ ويؤيد
ذلك ما روى ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن
شريك، عن عبد الله بن أبي المُحِلّ العامري قال: كنا مع على فمررنا
على الخسف الذي ببابلَ فلم يعدل حتى أجازه. وعن حجر بن عنبس
الحَضرمي، عن عليّ قال ما كانت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث
مرار. قال البيهقي: وهذا النهي إن ثبتَ مرفوعا وليس بمعنى يرجع إلى
الصلاة، إذ لو صلى فيها لم يُعد، وإنما هو كما جاء في قضيّه الحجر.
وقال ابن يونس: أبو صالح الغفاري روى عن علي وما أظنه سمع منه.
وقال ابن القطان: في سَنده رجال لا يعرفون. وقال عبد الحق: هو
حديث واهي. وقال البَيهقي في " المعرفة ": إسناده غير قوي، وقال:
/في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحدا من العلماء حرّم الصلاةَ في
أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصحّ منه وهو قوله- عليه السلام-:
" جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، ويُشبه أن يكون معناه- إن
ثبت-: أنه نهاه أن يتخذ أرض بابل وطنا ودارا للإقامة، فتكون صلاته فيها
إذا كانت إقامته بها. ويخرج النهي فيه على الخصوص؛ ألا تراه يقول:
" نهاني "؟ ولعل ذلك منه إنذار له بما أَصَابه مِن المحنة بالكوفة- وهي
أرض بابل- ولم ينتقل أحد من الخلفاء الراشدين قبله من المدينة.
٤٧٣- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يحيى بن أزهر،
وابنُ لهيعة، عن الحجاج بن شداد، عن أبي صالح الغِفاريّ، عن عليّ
- رضى الله عنه- بمعنى سليمان بن داود قال: " فلمَا خرَجَ " مكان " لما
برز " (١)
(١) انظر الحديث السابق.