للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قلته، أي: أن علم الله لا يدخله نقص، وقد قيل: في قوله تعالى: {أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: ٩٢] نحو هذا: ولا خطأً، وهو قول ضعيف، وإنما هو عند المحققين استثناء من غير الجنس، بمعنى: لكن قد يقتله خطأ". أو: إلاَّ أن يقتله خطأ.

قال القاضي: وهذا التأويل في الحديث لا يحتاج إليه؛ إذ معناه صحيح على ظاهره؛ وإنما المقصد بالحديث التمثيل لعدم النقص؛ إذ ما نقصه العصفور من البحر لا يظهر لرائيه، فكأنه لم يَنقُص منه شيئًا، فكذلك هذا من علم الله سبحانه، أو يكون راجعًا إلى المعلومات لا إلى العلم، أي: ما علمتُ أنا وأنت من جملة معلومات الله التي لم نطلع عليها في التقدير والتمثيل إلاَّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، وذِكْرُ النقص هاهنا مجاز على كل وجه، ومحال في علم الله تعالى ومعلوماته في حقه سبحانه؛ وإنما يتقدر ذلك في حقنا، ويدل على هذا قوله في الرواية (١) الأخرى: "مَا عِلْمِي وعِلْمُك وعِلْمُ الخَلَائِقِ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا العُصْفُورُ مِنْقَارَهُ في هذا البَحْرِ" (٢) (٣).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ" (٤) هذا محمول على الاستثناء عند الأكثر، وعبارة عن القلة عند بعضهم، على ما نفسره إن شاء الله في حرف الحاء، وقد يحتمل أن تكون: "إِلَّا" هاهنا بمعنى: "وَلَا" على ما تقدم، أي: ولا مقدار تحلة القسم.


(١) ساقطة من (س).
(٢) انظر قول القاضي في "المشارق" ١/ ٩٩.
(٣) البخاري (٤٧٢٧).
(٤) "الموطأ" ١/ ٢٣٥، البخاري (١٢٥١، ٦٦٥٦)، مسلم (٢٦٣٢) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>