وتقدم في ترجمة أحمد بن عبد الله أبي نعيم الأصبهاني ما لفظه:
"قال إنسان: من أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم فليفعل -وكان مهجورًا في ذلك الوقت بسبب المذهب، وكان بين الحنابلة والأشعرية تعصب زائد يؤدي إلى فتنة وقال وقيل وصداع - فقام إلى ذلك الرجل أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد أن يُقتل"، مع أن مجلس أبي نعيم إنما كان لسماع الحديث لا للدعوة إلى الأشعرية.
وقد قال ابن الجوزي في "المنتظم"(٨/ ٢٦٧) في وصف الخطيب:
"كان حريصًا على علم الحديث وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه" وقال قبل ذلك بورقة: "أول ما سمع الحديث في سنة ٤٠٣ وهو ابن إحدى عشرة سنة ... وأكَثْرَ مِنَ السماع من البغداديين، ورحل إلى البصرة ثم إلى نيسابور ثم إلى أصبهان، ودخل في طريقه همذان والجبال ثم عاد إلى بغداد، وخرج إلى الشام وسمع بدمشق وصور ووصل إلى مكة ... وقرأ" صحيح البخاري "على كريمة ... في خمسة أيام".
أقول: فحرصُه على تحصيل العلم وولوعُه به هو الذي كان يحمله على أن يقصدَ كُلَّ من عُرف بالعلم مَهْما كان مذهبه وعقيدته، وكان الحنابلة إذ ذاك يخافون عليه بحقٍّ أن يقع في البدعة، وإذا كانت نهمته تضطره إلى الانطلاق في مخالفتهم، وغيرتُهم تضطرهم إلى المبالغة في كَفِّه: بَلَغَ الأمرُ إلى الإيذاء، وكان وهو حنبلي لا يرجو من غيرهم أن يعطف عليه ويحميه وينتصر له، فاحتاج أن يتحول إلى مذهب الشافعي ليحميه الشافعيون ولا يعارضوه في الاختلاف إلى مَنْ شاء من أهل العلم مهما كان مذهبه وعقيدته؛ لأن الشافعية لم يكونوا يُضيقون في ذلك، مع أنهم إنما استفادوا الخطيب، فَهُمْ أشدُّ مسامحةً له، وهذا وإن نفعه من جهة الظفر بأنصارٍ أقوياء، يتمكن في حمايتهم من طلب العلم كيف شاء، لكن من شأنه أن يزيد حنق الحنابلة عليه وغيظهم منه, وكانت بغداد مقر الحنابلة وأكثر العامة معهم، والعامة كما لا يخفى إذا اتصل بهم السخط على رجل تسارعوا إلى إيذائه وبالغوا.