ولعل من يتتبع تلك المواضع التي يُعَلِّقها البخاري عن ابن عباس وتكون من رواية علي بن أبي طلحة عنه، يتبين له السبب الذي من أجله يعلق البخاري تارة بصيغة الجزم "قال" وتارة بصيغة التمريض "يُذكر". وأُرَى أنه يجزم حين يقوى عنده صحة ما يعلقه عن ابن عباس، ويمرض حين لا يقوى عنده ذلك، ومدار ذلك على المتابعات والشواهد ونحو ذلك من أسباب القوة، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى الصواب. (١) أقول: لم أَرَ مَنْ فَضَّلَ بَيْن أَوَّلِ أَمْر علي وآخره، لكن في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (٧/ ٣٤٨): "قال محمود بن غيلان: أسقطه أحمد وابن معين وأبو خيثمة. ثم قال لي عبد الله ابن أحمد أن أباه أمره أن يدور على كل من نهاه عن الكتابة عن علي بن عاصم فيأمره أن يحدث عنه. اهـ. ولم يذكر الحافظ إسناد هذا النقل إلى محمود بن غيلان، ولم يُعْرف أحمد بأنه أسقط عليًّا، بل الروايات عنه تدل على خلاف ذلك: ففي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله عنه، رقم (٧٠) طبع المكتب الإسلامي: "حدثني أبي قال: حدثنا وكيع -وذكر علي بن عاصم- فقال: خذوا من حديثه ما صح ودعوا ما غلط أو ما أخطأ فيه. قال أبو عبد الرحمن: كان أبي يحتج بهذا، وكان يقول: كان يغلط ويخطىء، وكان فيه لجاج، ولم يكن متهمًا بالكذب". اهـ. وفي كتاب "أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية" (ص ٣٩٤): "قال البرذعي: حدثنا محمد ابن يحيى النيسابوري قال: قلت لأحمد بن حنبل في علي بن عاصم -وذكرتُ له خطأه- فقال لي أحمد: كان حماد بن سلمة يخطىء -وأومأ أحمد بيده- خطأ كثيرًا، ولم ير بالرواية عنه بأسًا". =